لستَ بعيداً عن ملكوت السموات بقلم القس سامر عازر

لربما هذا الجواب الذي أجاب به السيد المسيح أحدَ الكتبة يُجيبنا به نحن اليوم الذين نعرفُ الكتبَ المقدسة ونعرفُ ما تدعو إليه، ونعرف أعظمَ الوصايا فيه- وهي وصية المحبة العُظمى- ولكننا نعيشُ بقصورٍ عما تدعونا إليه تلك الوصية من محبة نابعة من كل القلب ومن كل النفس ومن الفكر ومن كل القدرة، ومن محبة صادقة نحو قريبا كمحبتنا لأنفسنا.

فإمتلاك المعرفة شيء والعيش بموجب تلك المعرفة شيء آخر. فقد يكون لنا كلَّ علمٍ كما يصفُ ذلك بولس الرسول بأنْ ننقل الجبال، بمعنى آخر، أننا قد نمتلك علماً كبيراً يَصنع إنجازات كبيرة وربما إختراعات عظيمة، ولكننا لا نسخر منجزات ذلك العلم وتلك المعرفة في سبيل خدمة الإنسانية والبشرية وزرع قيم المحبة بين الناس، ولذلك يقول أننا “لسنا شيئاً”، والسبب أن ما يمتلكه الإنسان من قدرات وإمكانيات يجب أن تُسخر كلَّها في خدمة البشرية وأن تكون عاملا مساعداً في زرع قيم المحبة والسلام والأخوة والعدالة والكرامة الإنسانية، ولا يجب أن تكون سبيلا في إمتلاك التكنلوجيا المتطورة الفتاكة في سبيل إحداث دمار شامل وإنتهاكٍ للقيم الإنسانية والبشرية.

فالمحبة التي يدعونا إليها السيد المسيح يفتقدها عالم اليوم، ولكنها ضرورية وأساسية ومن متطلبات ملكوت الله، ولا يمكن للإنسان أن يدّعي أنه إبن الملكوت وهو بعيد عنه، والأمر الأساسي ليعيش الإنسان في داخل ملكوت الله هو أن يحيا تلك المحبة بكامل أبعادها ومن أعمق أعماق حياته وبكل قدرته وإمكانياته. وهذا يجب أن يشكل نقطةَ إنطلاقنا وأساسَ تفكيرها وهدف عملنا، فكُّلُ عمل نقوم به وكلُّ مسعَى نجّد به يجب أن ينطلق من أساس متين مبنِّيٍ على أساس إرضاء الله سبحانِه وتعالى وخدمة الآخرين ومنفعتهم. لذلك، فالشيء الذي يحدد مستوى أدائنا هو قوةُ وصدقُ محبتِنا ثنائية الأبعاد والتي تشكل الوصية الأولى بالنسبة للسيد المسيح، فلا يكفي أنْ نحب، بل علينا أن نحبَّ بكل ما امتلكتنا من قوة وقدرة وأنْ يكونَ ذلك سبيلا في التضحية لأجل تحقيق الهدف الذي نعمل ونسعى لأجله.
وهذا هو ما يميز أبناء الملكوت عن غيرهم، فهذه المحبةُ “أفضل من كل الذبائح والمُحرَقات”. فما يطلبه الله منّا اليوم هو العيشَ بمحبّةٍ صادقةٍ وأمينةٍ من كل القلب ومن كل النفس ومن الفكر ومن كل القدرة، فهذه هي العبادة الكاملة المرضية أمام الله تعالى والمقرونة بمحبة قريبنا كأنفسنا. فدعوتُنا اليوم أن نُجسِّد تلك المحبة في حياتنا لكي نكون حقاً من أبناء الملكوت وليس فقط كأحد الكتبة الذي وصفهم المسيح قائلا له ” لست بعيداً عن ملكوت الله”. علينا أن نعيش داخل هذا الملكوت.

Comments are closed.