أذكر يا إنسان بقلم ريتا كرم
“أذكر يا إنسان أنّك من التّراب وإلى التّراب تعود”، عبارة تُردَّد في إثنين الرّماد من كلّ عام لدى الكنيسة المارونيّة ويوم الأربعاء لدى اللّاتينيّة، إيذانًا ببدء الصّوم الأربعينيّ. ولكن ما أصل هذا التّقليد؟ تاريخيًّا، لم ترتبط هذه العادة ببداية الصّوم، بل بدأت مع بعض الكنائس المحلّيّة حوالى القرن الثّالث لتترافق عمليّة ذرّ الرّماد في أولى أيّام الصّوم مع تقدّم الخطأة من سرّ الاعتراف ولتشمل لاحقًا جميع المؤمنين. وكان اليهود يمارسون عادة رشّ الرّماد تعبيرًا عن التّوبة.
وفي تقاليدنا اللّبنانيّة، كان يُطلق على هذا اليوم تسمية “إثنين الرّاهب” بحيث كانت القرية بكاملها تخرج لاستقبال راهب كلّفه مطران الأبرشيّة لإلقاء المواعظ على المؤمنين وتنشئتهم في هذا الزّمن ولسماع اعترافاتهم لعيد الفصح.
ولكن ما هو مصدر الرّماد؟ ولماذا الرّماد تحديدًا؟ يُستخرج الرّماد من أغصان زيتون شعانين السّنة الّتي مضت فتُحفظ وتُحرق لهذه الغاية، ويُصلّى عليها وتُمزج بالماء المبارَكة ويضعه الكاهن صليبًا على جباه المؤمنين مذكّرًا الإنسان الخاطئ أنّ قلبه شبيه بالرّماد وحياته أحقر من الطّين وأجر الخطيئة لا يمكن إلّا أن يكون رمادًا.
هذه العلامة الّتي ظاهرها مادّيّ هي في جوهرها رمز مقدّس يرتبط بالصّلاة ويدلّ على ارتداد الخاطئ إلى إيمانه معترفًا بخطاياه وهشاشة الحياة البشريّة، منطلقًا في مسيرة الرّوح بعد توبة حقيقيّة.
فماذا لو انطلقنا في هذا الصّوم من رغبة جدّيّة في التّغيّر، رغبة ربّما دفنّاها في داخلنا لزمن طويل وحان وقت استنباطها لترى النّور فتكون بداية ننتقل فيها من الموت إلى الحياة. فندفن الأنانيّة والكسل والغضب والحقد والحزن… لتحيا فينا روح المشاركة والعودة إلى الخالق والرّجاء والغفران؟!
ماذا لو وقفنا أمام كلّ ضعف بشريّ وشعرنا بحاجة الآخر وآلام المريض ووحدة الحزين وغربة المهجّر وقلق المهمّش ووجع الشّعوب وصرخات أفرادها المحقّة؟ ماذا لو أصغينا بدل الكلام وقدّمنا أفعالاً بدل الأقوال؟ ماذا لو عدنا إلى جبلتنا الأساسيّة وأيقظنا الإنسان النّائم فينا وصيّرناه على الصّورة الإلهيّة فنستحقّ عندها التّراب يوم نعود إليه؟!!