البابا فرنسيس يستقبل وفد بطريركية القسطنطينية المسكونية بمناسبة عيد القديسَين بطرس وبولس
العمل بشكل أكبر من أجل الوحدة والشركة الكاملة، وكيفية الاستفادة من درس الجائحة، كان هذا محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله صباح اليوم الاثنين وفدا من البطريركية المسكونية في إطار الزيارات المتبادلة في عيد القديسَين بطرس وبولس وعيد القديس أندراوس.
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين وفدا من بطريركية القسطنطينية المسكونية. وتأتي هذه الزيارة في إطار التبادل السنوي التقليدي للزيارات بين الكنيستين وذلك في ٢٩ حزيران يونيو في روما احتفالا بعد القديسَين بطرس وبولس وفي ٣٠ تشرين الثاني نوفمبر في اسطنبول احتفالا بعيد القديس أندراوس. وفي بداية كلمته رحب الأب الأقدس بضيوفه ووصف تبادل الوفود السنوي بين كنيستَي روما والقسطنطينية بعلامة شركة حقيقية تربطهما بالفعل وإن لم تكن كاملة بعد، وشكر على هذه الزيارة بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول والمجمع المقدس، كما وشكر المتروبوليت إيمانويل رئيس الوفد على كلمته الأخوية.
تابع البابا فرنسيس مشيرا إلى احتفالنا هذا العام بعيد القديسَين بولس وبطرس بينما يواصل العالم الكفاح للخروج من أزمة الوباء المأساوية والتي كانت اختبارا شمل الجميع وكل شيء. وقال البابا أنه وأخطر من الأزمة في حد ذاتها هناك احتمال هدر فرصة تعلُّم ما تُقدِّم لنا من درس. وتحدث بالتالي عن درس تواضع يُعلِّمنا استحالة العيش أصحاء في عالم مريض ومواصلة الحياة كما قبل بدون التنبه إلى ما لم يكن يسير بشكل جيد. ويرى الأب الأقدس أن الرغبة الكبيرة اليوم في العودة إلى الأوضاع الطبيعية يمكنها أن تخفي اعتقادا غير منطقي بالاعتماد مجددا على ضمانات زائفة وعادات ومشاريع تسعى فقط إلى الربح واتِّباع المصالح الشخصية بدون العناية بالظلم على الصعيد العالمي وبصرخة الفقراء وبالصحة الضعيفة لكوكبنا.
ثم تساءل البابا فرنسيس: وماذا يقول كل هذا لن نحن المسيحيين؟ وتابع أننا نحن أيضا مدعوون إلى التساؤل إن كنا نريد العودة إلى عمل كل شيء كما في السابق وكأن شيئا لم يكن أم أننا نريد قبول تحدي هذه الأزمة والتي، وكأي أزمة، تتطلب التقييم والتفرقة بين المفيد وغير المفيد، وتستدعي العمل بتمييز والتوقف لتحديد ما يبقى وما يمضي من كل ما نفعل. وواصل الأب الأقدس أننا نؤمن، وكما يعلمنا بولس الرسول، بأن المحبة هي ما يبقى دائما حيث قال “المحب لا تَسقط أبدا” (١ قور ١٣، ٨). والمقصود هنا المحبة الملموسة المعاشة بأسلوب يسوع، محبة البذرة التي تمنح الحياة بأن تموت في الأرض، محبة “لا تسعى إلى منفعتها”، “تعذِر كل شيء … وتْجو كل شيء وتتحمل كل شيَء” (١ قور ١٣، ٧). شدد البابا بالتالي على أن الإنجيل يضمن ثمارا وفيرة، ولكن لا لمن يكدس الخيور لذاته ومَن ينظر إلى مصلحته الشخصية، بل لمن يتقاسم مع الجميع بشكل منفتح زارعا بوفرة ومجانية بروح خدمة متواضعة.
يعني التعامل بشكل جدي مع الأزمة الحالية بالنسبة لنا نحن المسيحيين السائرين نحو الشركة الكاملة أن نتساءل كيف نريد مواصلة السير، تابع البابا فرنسيس مضيفا أن كل أزمة تضعنا أمام مفترق طرق وتفتح طريقَين، إما طريق الانغلاق على الذات بحثا عن ضماناتنا وفرصنا، أو طريق الانفتاح على الآخر مع ما يحمل هذا من مخاطر لكنه يحمل في المقام الأول ثمار نعمة الله. وطرح الأب الأقدس هنا التساؤل: ألم تحن ساعة منح دفعة إضافية لمسيرتنا بمساعدة الروح القدس لإسقاط الأحكام المسبقة وتجاوز التنافس الضار بشكل نهائي؟ وبدون تجاهل الاختلافات، التي سيتم تجاوزها عبر الحوار والمحبة والحقيقة، ألا يمْكننا بدء مرحلة جديدة للعلاقات بين كنائسنا يطبعها السير معا بشكل أكبر والرغبة في القيام معا بخطوات ملموسة إلى الأمام والشعور بالمسؤولية المشتركة أحدنا إزاء الآخر؟ وشدد البابا على أننا حين نكون في طاعة للمحبة فإن الروح القدس، الذي هو محبة الله الخلاقة، سيجعل الاختلافات في تناغم وسيفتح الطرق لأخوّة متجددة.
أكد البابا فرنسيس بعد ذلك أن الشهادة المتنامية للشركة بيننا نحن المسيحيين ستكون أيضا علامة رجاء للكثير من الرجال والنساء الذين سيلمسون التشجيع على تعزيز أخوّة شاملة بشكل أكبر ومصالحة قادرة على إصلاح مشاكل الماضي، وهذا هو الطريق الوحيد من أجل مستقبل سلام. وتابع الأب الأقدس متحدثا عما وصفها بعلامة نبوية في إشارة إلى تعاون أوثق بين الأرثوذكس والكاثوليك في الحوار مع التقاليد الدينية الأخرى، وأشار قداسته في هذا السياق إلى النشاط الكبير للمتروبوليت إيمانويل في هذا الحوار.
وفي ختام كلمته إلى وفد بطريركية القسطنطينية المسكونية في إطار الزيارات المتبادلة التقليدية احتفالا بعيد القديسَين بطرس وبولس وعيد القديس أندراوس، شكر البابا فرنسيس ضيوفه مجددا على هذه الزيارة وطلب نقل تحية محبة واحترام إلى غبطة البطريرك برتلماوس الأول والذي يشعر به أخا بالفعل، والذي ينتظره بفرح في روما في شهر تشرين الأول أكتوبر القادم لمناسبة الذكرى الثلاثين لانتخابه. ثم طلب الأب الأقدس بركة الله كلي القدرة والرحوم بشفاعة القديسين بطرس وبولس وأندراوس وأن يقودنا الله بشكل أكبر إلى الوحدة. وختم البابا سائلا ضيوفه الصلاة من أجله.