هاجس الاقليات: كيف البقاء والصمود والتواصل
نورسات الاردن
كلمة الكاردينال ساكو في المؤتمر الافتراضي الذي نظمته مؤسسة يزدا في 2- 3 آب 2021 لمناسبة مرور 7 سنوات على نكبة الايزيديين.
بتقييم عالٍ انظر الى دعوتي لأتكلم أمام هذا المحفل المبارك، وفي قضية مركزية تتصل بالمكوّنات الوطنية للاقليات، وما نود أن نتعمق فيها، كقضية البقاء والصمود.
في نظرة إلى العقدين الاخيرين، لابد من الملاحظة كم عانت الاقليات في العراق من الضغوطات التعسفية والاضطهادات والاستحواذ على ممتلكاتهم والتهجير والتهديد والقتل وسبي النساء، يكفي ان نذكر ما حصل لمكونات وطنية أصيلة مثل الايزيديين والمسيحيين.
كان عدد المسيحيين في العراق قبل سقوط النظام مليونا ونصف المليون، واليوم عددهم اقل من خمسمائة ألف نسمة. أمام هذا الواقع المؤلم، أوكد ان القضية المركزية للأقليات هي كيف البقاء والتواصل أمام التحديات التي تهدد وجودها. وبصراحة، ان لم تبادر الدولة الى عمل شيء ملموس لحماية الاقليات فمصيرها الهجرة. وهذه تكون علامة استفهام، أمام المحفل الدولي!
دور الدولة أساسي
الدولة هي الأساس عندما تكون دولة قوية دولة المواطنين جميعاً. مسؤوليتها هي الحفاظ على الفسيفساء العراقي الرائع من دون النظر الى العدد، ولا الى الدين الذي هو مسألة شخصية خاصة بين الإنسان والله. هذه المكوّنات الصغيرة الأصيلة والمشرقة بقيمها وإخلاصها تشكل مع بعضها ألوان الطيف العراقي الجميل. على الحكومة ان تتحمل مسؤولياتها تجاه كافة المواطنين وتحتضنهم كأشخاص متساوين، وتستعيد حقوقهم وتحميهم، وتؤمّن كرامتهم من خلال بناء دولة مدنية وديمقراطية، وايجاد آليات لإدارة التعددية لكي يغدو هذا التنوع ثراء وإضافة لإدامة العيش المشترك المتناغم، والثقافة العراقية، ذلك من خلال إقرار القوانين والعمل الجاد على تنفيذها، على أرض الواقع وليس على الورق، وصد كل محاولات الإقصاء والتهميش والتهجير.
أجل أيها الإخوة والأخوات، يمكننا أن نلمس بأننا أمام تراجع الأخلاق ببعدها الروحي والاجتماعي واعتقد انها السبب في تدهور المنظومة بكاملها. لو الأخلاق الحميدة باقية فما كان هناك فساد ولا تفجيرات ولا قتل للأبرياء ولا خطف. العراقيون بحاجة ماسّة الى استعادة القيم الأخلاقية وثقافة مجتمعية سليمة، والا سنشهد المزيد من الأزمات.
كيف تقدر الأقليات أن تحمي نفسها؟
بكل الم اقول: ان المكوِّنات قليلة العدد، تسمى ظلماً “بالاقليات” كونها تسمية عددية نسبية، وليست نوعية، فالمكوَّن لا يقاس بالعدد، إذ نجد فيه طاقات وقابليات كبيرة.
أمام قسوة التطرف الديني والطائفي الذي يهمّشها، والإرهاب الذي يلغيها، والقوانين والتشريعات التي تظلمها… أصبحت الأقليات للأسف حلقة ضعيفة ومستغلة، حتى ان بعض الجهات الإعلامية، وخلافاً للمناقبية الإعلامية، تنقّص عدد المسيحيين والإيزيديين والصابئة والأقليات الاخرى للضغط على نفسيّتِها بهدف دفعها الى الهجرة، و إفراغ البلاد منها.
لذا يتحتم على الاقليات ان تخرج من نظرتها النمطية التقليدية المبسَّطة، لتحيي الروح المعنوية ببُعدها الإيماني والاجتماعي في بناتها وابنائها، كونهم جزء لا يتجزأ من المجتمع العراقي الاصيل. عليها ان تبني وحدتها الداخلية، ففي الوحدة القوة، وان تبلور رؤية واستراتيجية للمرحلة القادمة، بتحديد الاهداف وايجاد الآليات للوصول اليها. وإن وُجد من يحاول تهميش هذه الاقليات، فليكن ردّ فعلها، المزيد من العمل والحضور.
وبعد، على هذه المكوّنات ان تتضامن وتتكاتف وتعمل بكل جرأة مع شركائها في الوطن في المجال الثقافي كالمدارس، والصحي كالمستشفيات والخدم الانساني من خلال الجمعيات الخيرية. كما لا بد من تفعيل الحوار بين الديانات لتتعرف على بعضها البعض من المصدر وتعترف بها وتحترمها.
لا يقدر المواطنون المسلمون بغالبيتهم العددية، ان يستغنوا عن الاقليات. الحمد لله هناك تغيير يحصل في العقلية، خصوصاً بعد زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق وخطاباته عن الاخوَّة والتنوع، وايضاً قول المرجع الشيعي الاعلى سماحة السيد علي السيستاني ” انتم جزء منا ونحن جزء منكم” ، لكن على الحكومة دعم هذا التغيير مادياً ومعنويّاً عبر مؤسساتها التربوية والثقافية والاعلامية وبنحو ملموس.
Comments are closed.