البابا فرنسيس : شفاء القلب يبدأ بالإصغاء

نورسات الاردن

طلب البابا فرنسيس، ظهر الأحد، قبيل صلاة التّبشير الملائكيّ، شفاعة مريم العذراء لتساعد المؤمنين على الإصغاء يوميًّا إلى ابنها في الإنجيل وإلى الإخوة والأخوات “بقلب مطيع وصبور ومُتنبِّه”. كما سأل بعد الصّلاة الحاضرين في ساحة القدّيس بطرس أن يرافقوه بالصّلاة خلال زيارته لبودابست وسلوفاكيا الّتي سيقوم بها يوم الأحد القادم.

وفي هذا السّياق ألقى البابا كلمة روحيّة قبل الصّلاة قال فيها بحسب “فاتيكان نيوز”: “يقدّم لنا الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم يسوع الّذي يشفي شخصًا أصمًّا وأبكمًا. في الرّواية، تؤثِّر فينا الطّريقة الّتي يقوم بها الرّبّ بهذه الآية المذهلة: انفَرَدَ بِالأصمِّ والأبكم عَنِ الجَمع، وَجَعَلَ إِصبَعَيهِ في أُذُنَيه، ثُمَّ تَفَلَ وَلَمَسَ لِسانَهُ، وَرَفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماءِ وَتَنَهَّد، وَقالَ لَهُ: “إِفَّتِح!” أَيِّ: انفَتِح. في حالات الشّفاء الأخرى، لأمراض لا تقلّ خطورة، مثل الشّلل أو البرص، لا يقوم يسوع بالكثير من التّصرّفات. لماذا يفعل الآن هذا كلّه رغم أنّهم طلبوا منه فقط أن يضع يده على المريض؟ ربّما لأنّ حالة ذلك الشّخص لها قيمة رمزيّة معيّنة ولديها ما تقوله لنا جميعًا. ما هي هذه الحالة؟ إنّها الصّمم. لم يكن بإمكان ذلك الرّجل أن يتكلّم لأنّه لم يكن بإمكانه أن يسمع. ويسوع في الواقع، لكي يشفي سبب علَّتِهِ، يضع أوّلاً إِصبَعَيهِ في أُذُنَيه.

لدينا جميعًا آذان، لكن في كثير من الأحيان لا يمكننا أن نسمع. هناك في الواقع صمم داخليّ، يمكننا اليوم أن نطلب من يسوع أن يلمسه ويشفيه. إنّه أسوأ من الصّمم الجسديّ، إنّه صمم القلب. إذا تأخذنا العجلة، وآلاف الأمور الّتي علينا أن نقولها ونفعلها، نحن لا نجد الوقت لكي نتوقّف ونصغي إلى الّذين يتحدّثون إلينا. نحن نجازف في أن نصبح منيعين لكلّ شيء وألّا نعطي فسحة للّذين يحتاجون للإصغاء: أفكر في الأبناء والشّباب والمسنّين، والعديد الّذين لا يحتاجون إلى الكلمات والمواعظ، وإنّما للإصغاء. لنسأل أنفسنا: كيف هو إصغائي؟ هل أسمح لحياة النّاس أن تؤثِّر فيَّ، هل أعرف كيف أخصّص الوقت لمن هو قريب منّي؟ لنفكّر في الحياة في العائلة: كم من مرّة نتحدّث فيها من دون أن نصغي أولّاً، ونكرّر الكلمات عينها على الدّوام! وإذ نعجز عن الإصغاء، نقول دائمًا الأشياء عينها. إنّ إعادة إحياء الحوار غالبًا ما لا تمرّ عبر الكلمات، وإنّما عبر الصّمت، وعبر عدم الإلحاح بعناد، وعبر البدء من جديد بالصّبر بالإصغاء إلى الآخر، وجهوده، وما يحمله في الدّاخل. إنّ شفاء القلب يبدأ بالإصغاء.

هذا الأمر عينه يصلح مع الرّبّ. من الجيّد أن نغرقه بالطّلبات ولكن من الأفضل أن نضع أنفسنا أوّلاً في الإصغاء له. هذا ما يطلبه يسوع. في الإنجيل، عندما سُئل ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها، أجاب: “اِسمَعْ يا إِسرائيل”. ثمّ يضيف: “أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ… وأَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ”. لكنّه يقول أوّلاً: “اسمع”. هل نتذكّر أن نضع أنفسنا في إصغاء للرّبّ؟ نحن مسيحيّون، لكن ربّما، من بين آلاف الكلمات الّتي نسمعها يوميًّا، لا نجد بضع ثوان لكي نجعل صدى بعض كلمات من الإنجيل يتردّد فينا. يسوع هو الكلمة: إن لم نتوقف لكي نصغي إليه، يعبر عنّا. لكن إذا كرّسنا وقتًا للإنجيل، فسنجد سرًّا لصحّتنا الرّوحيّة. هذا هو الدّواء: القليل من الصّمت والإصغاء يوميًّا، وأن نخفّف من الكلمات عديمة الفائدة، ونزيد البعض من كلمة الله. لنسمع اليوم موجّهة إلينا، كما في يوم العماد، كلمة يسوع هذه: “إِفَّتِح، انفَتِح”! يا يسوع، أرغب في أن أنفتح على كلمتك، افتحني على الإصغاء لك. يا يسوع اشفِ قلبي من الانغلاق، اشفِ قلبي من العجلة واشفِ قلبي من نفاد الصبر.

لتساعدنا العذراء مريم المنفتحة على الإصغاء إلى الكلمة الّتي تجسّدت فيها، لكي نُصغي يوميًّا إلى ابنها في الإنجيل وإلى إخوتنا وأخواتنا بقلب مطيع وصبور ومُتنبِّه.”

وبعد الصّلاة، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين الحاضرين، ثمّ قال: “لقد تمَّ أمس في كتماركا في الأرجنتين إعلان تطويب ماميرتو إيسكويو، من الإخوة الأصاغر وأسقف كوردوبا. وأخيرًا طوباويّ أرجنتينيّ! لقد كان مبشّرًا غيّورًا لكلمة الله من أجل بناء الجماعة الكنسيّة والجماعة المدنيّة أيضًا. ليساعدنا مثاله لكي نوحِّد على الدّوام الصّلاة والرّسالة ونخدم السّلام والأخوّة.

في هذه اللّحظات المضطربة، الّتي يبحث فيها الأفغان عن ملجأ، أصلّي من أجل الأشدَّ ضعفًا بينهم؛ وأصلّي لكي تستقبل العديد من البلدان جميع الّذين يبحثون عن حياة جديدة وتحميهم. أصلّي أيضًا من أجل النّازحين الدّاخليّين لكي يحصلوا على المساعدة والحماية الضّروريّة. ليتمكّن الشّباب الأفغانيّون من الحصول على التّعليم، أحد الخيور الأساسيّة للتّنمية البشريّة، وليتمكّن جميع الأفغان، سواء في البلاد أو في العبور أو في البلدان المضيفة، من أن يعيشوا بكرامة في سلام وأخوّة مع جيرانهم.

أؤكّد صلاتي من أجل شعوب الولايات المتّحدة الأميركيّة الّتي ضربها إعصار قويّ خلال الأيّام الأخيرة. ليقبل الرّبّ أرواح الموتى وليعضد جميع الّذين يتألَّمون بسبب هذه الكارثة الطّبيعيّة.

يصادف خلال الأيّام المقبلة، رأس السّنة اليهوديّة الجديدة “روش هاشناه”، ومن ثمّ عيدي: “يوم كيبور” و”سوكوت”. أتقدّم بأمنياتي القلبيّة إلى جميع الإخوة والأخوات اليهود. ليكن العام الجديد غنيًّا بثمار السّلام والخير، لجميع الّذين يسلكون بأمانة في شريعة الرّبّ.

يوم الأحد القادم، سأذهب إلى بودابست من أجل اختتام المؤتمر الإفخارستيّ الدّوليّ. وسيتابع حجّي، بعد القدّاس، لبضعة أيّام في سلوفاكيا، وينتهي يوم الأربعاء باحتفال شعبيّ كبير للعذراء سيّدة الأحزان، شفيعة ذلك البلد. ستكون أيّام مطبوعة بالعبادة والصّلاة في قلب أوروبا. بينما أحيّي بمودّة الّذين أعدّوا هذه الزّيارة، وأشكرهم، أحيّي الّذين ينتظرونني والّذين أرغب في أن ألتقي بهم، أطلب من الجميع أن يرافقوني بالصّلاة وأوكل الزّيارات الّتي سأقوم بها لشفاعة العديد من معترفي الإيمان الأبطال، الّذين شهدوا للإنجيل في تلك الأماكن وسط العداء والاضطهاد. ليساعدوا أوروبا لكي تشهد اليوم أيضًا، لا بالكلام وإنّما بالأفعال، بأعمال الرّحمة والاستقبال، للإعلان الصّالح للرّبّ الّذي يحبّنا ويخلّصنا.

تصادف اليوم ذكرى القدّيسة تيريزا دي كلكوتا والّتي يعرفها الجميع بالأمّ تيريزا. أوجّه تحيّاتي إلى جميع مرسلات المحبّة، الملتزمات في جميع أنحاء العالم في خدمة بطوليّة في كثير من الأحيان وأفكّر بشكل خاصّ في راهبات “Dono di Maria” الموجودات هنا في الفاتيكان.”

Comments are closed.