السلط بين زمانين

نورسات الاردن :عمر غيث فاخوري

كل مكان أثري بالسلط عنوان، لذلك فهي متحف عناوين للآثار. وعمر السلط يمتد إلى ما قبل الميلاد، إذ ذُكرت جلعاد في التوراة، ووادي الخرّار في نهر الأردن، وتمتد الحدود الجغرافية من الأزرق الذي يُغذي سد الملك طلال إلى حدود الشمال من الحمَّة الأردنية إلى حمامات ماعين التي يقع فيها غور الصافي وهو مكان معبد النبي لوط على حدود الجنوب مروراً بالغور الأوسط والجنوبي، وهي ثالث أكبر محافظة في الأردن والعاصمة للبلقاء.
وتعتبر السلط كغيرها من مدن المملكة كنز من الآثار يشكّل كل أثر فيها معلماً أو عنوان، وكانت قديماً مركزاً للتجارة ثم أصبحت مركز هجرة الفلسطينيين. اشتهرت السلط ببساتينها ومياهها ورجولة أهلها وسيكولوجية بنيها. وُلِدَت السلط ولا تزال ولاّدة للرجولة، فقد اشتهر رجالها الأوائل بالزعامة بين رجال المملكة، وكان لزعماء العشائر بالسلط تاريخ وزمن بذاته ويروى عن رجال السلط أنهم علاوة على وجولتهم كرمهم وأخلاقهم النموذجية والسيكولوجية التي لا تنهار أمام شدة الأحداث. فقد احتملوا الهزة الكبرى سنة 1921 والهجرة من الأتراك سنة 1928، ولا يزال أهل السلط يؤرخون للثلجة الكبرى سنة 1923، ثم لا زالوا يذكرون اعتقالات البعض منهم في قلعة الكرك، ولا زالوا يذكرون معاركهم مع الأتراك وَيُسمَّون بعض زعماء السلط الكبار، كما أنّ آثار السلط أكثر من أن تعد بالأصابع، فمن جلعاد إلى الأغوار مروراً بوادي السلط المشهور بالمعارك مع الأتراك ووادي ساره وبطنه وسَوَادا وهوشع وشعيب. علاوة على ما في صحن السلط من آثار ذكرها المؤرخون الإسلاميون.
اليوم السلط وبعد دخولها عصر النهضة التقنية والعلمية والمعرفية كأول مدارس المملكة في نشر العلم، ومنذ زمن طويل ولا زالت تخرّج آلاف المسؤولين بالقطاعات العسكرية والسياسية والمالية والتعليمية. كل معلم بالسلط هو عنوان فأطلق عليها متحق عناوين الآثار. السلط تاريخ وعنوان في زمن القحط والقلّة وعنوان وتاريخ في زمن الراحة. زمن الحروب والشدائد والأمراض كان للسلط تاريخ، ومن التطور والتقدم والشباب المفعم بالرجولة والحيوية اقتفاءً بأثرِ الأوائل من بناة صنعوا التاريخ وكتبوا عناوينه وسطروا أول سطور الحضارة في الأردن، وكتبوا للرجولة يافطاتا وأعطوا للتاريخ نفساً وروحاً إيجابية كصنّاع الحياة.
سجّل يا تاريخ أنه كلما ذُكر تاريخٌ أردني تكون السلط صانعته. ففي السلط نام التاريخ وفي السلط استفاق وفي السلط يتعيش التاريخ وبها ينتهي. ففي السلط سّر تاريخٍ لا يموت ما بقيت السلط حياة، والسلط من أقدم المدن الأردنية بفتنتها فهي حديقة ساحرة قديمة وحديثاً وجنة الإنسان الأردني الوادعة.

Comments are closed.