البطريرك الماروني: نصلّي معا، ونسأل الله أن يحمي لبنان وشعبه ليظل أرض العيش معا بروح الأخوة والسلام
نورسات الاردن
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الحادي والثلاثين من تشرين الأول أكتوبر في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وقال في عظته “نصلّي معًا، ونسأل الله أن يحمي لبنان وشعبه ليظلّ أرض العيش معًا بروح الأخوّة والسلام. أرض الحوار والانفتاح والتآخي والتعاون مع جميع الدول وهكذا يعود الى طبيعته الأساسية والى هويته”.
ألقى البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظة بعنوان “جُعت فأطعمتموني” (متى 25: 35) وقال: “ربّنا يسوع المسيح ابن الله اتّحد بكلّ إنسان، عندما تجسّد، وافتدى الجنس البشري بآلامه وموته على الصليب، وأعطى الحياة الجديدة لجميع الناس بقيامته، وجمعهم بروحه القدوس أعضاء في جسده السرّي. وأصبح متماهيًا معهم. ولهذا قال: “كنتُ جائعًا فأطعمتموني … وكلّ مرّة صنعتم ذلك لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه” (متى 25: 35 و40). وأشار إلى أن “هذا الإنجيل هو دعوة لكلّ إنسان لكي يعيش المحبة الاجتماعية تجاه أيّ محتاج، دونما اعتبار لدينه أو عرقه أو لونه أو ثقافته. فالحاجة، أكانت مادية أم روحية أم معنوية، لا تفرّق بين الناس، بل تجعلهم “أخوة يسوع الصغار”. على هذه المحبة الاجتماعية سنُدان في مساء الحياة. إنجيل اليوم هو إنجيل الدينونة الخاصة والعامة. فالخلاص الأبديّ مرتبط بعيش هذه المحبة، أمّا الهلاك فمرتبط بعدم عيشها. مع هذا الأحد الأخير من تشرين الأول ينتهي زمن الصليب، وتحتفل فيه الكنيسة بعيد المسيح الملك الذي يشركنا في ملوكيّته بالمعمودية والميرون، لكي نكون شعب المحبة الفعلية والفاعلة، وشعب حرية أبناء الله والحقيقة والعدالة والسلام. إنّنا نلتزم اليوم بموجبات هذه الملوكيّة”.
في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الراعي “حدّد الربّ يسوع قطاعات الحاجة التي يمرّ فيها جميع الناس، والتي تقتضي منّا كلّنا ممارسة المحبة الاجتماعية، وهي: الجوع والعطش والغربة والعري والمرض والأسر. هذه القطاعات الستة لا تقتصر على الشؤون المادية بل تتعدّاها إلى تلك الروحية والثقافية والاقتصادية والمعنوية”. وتابع غبطته قائلا “بروح هذه المحبة الاجتماعية، والواجب ونداء الضمير والشعور مع الناس في خوفهم على مصيرهم ومصير لبنان، قمت في مطلع الأسبوع الماضي بمبادرة وطنية، إذ لم يكن جائزًا أن نتفرّج على التدهور المتسارع من دون أن نتحرّك، مكتفين بعظات وبيانات. فلبنان لبناننا جميعًا، وشعبنا شعبنا جميعًا، ومسؤولية البحث عن حلول مسؤوليتنا جميعًا. لقد رأينا أخطار توقّف الحكومة عن الاجتماع وهي في بداية انطلاقها، ورأينا بحزن واستنكار اندلاع اعتداءات واشتباكات في الشارع أوقعت ضحايا وجرحى وردّتنا الى مرارة الحروب السابقة، ورأينا غرابة الهجوم السياسي على القضاء كأنَّ لا دولة ولا نظام ولا دستور ولا قانون ولا فصل بين السلطات عندنا، كما عند غيرنا في العالم المتحضّر، ورأينا بألم استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي، وارتفاع نسبة الفقر إلى 75% من الشعب اللبناني، وازدياد نسبة البطالة إلى ما فوق الــ 35%، ورأينا بحسرة شبابنا يهاجر، وعائلاتنا تَجوع، ومؤسساتنا التعليمية والاستشفائية والتجارية تُفلِس أو تُقفَل، والتظاهرات والاحتجاجات تنتشر في جميع المناطق غضبًا واحتجاجًا”.
وأضاف البطريرك الراعي قائلا “لقد دعونا كبار المسؤولين إلى تحمّل مسؤوليّتاهم، والتحرّك الفعّال، ومعالجة الأحداث قبل وقوعها، وتجاوز الصعوبات، ووضع حدٍّ للتدهور الاقتصادي والأمني الذي لا يوفّر أحدًا حتى الذين يظنّون أنهم يستطيعون التحكّم بتطوّراته. لا أحد يتحكّم بها لأن امتداداتها خارجية ومصدر جزء كبير من قراراتها خارجي أيضًا. إن أهمّ إنجاز يُمكن للقوى السياسية أن تقوم به هو عدم انجرارها في لعبة الدول، ولاسيّما في هذه المرحلة الإقليمية الدقيقة. لقد قام لبنان على الشراكة في إطار السلام، والاعتدال، والحياد، ودولة القانون التي يضمنها القضاء العادل والفاصل”. وأشار إلى أنّ “همّنا الأساسي هو ضرورة احتكام الجميع إلى الحلول الدستوريّة لدعم التحقيقات القضائية الجارية، فما يقوم به القضاء العدلي المطابق للدستور والعلم الدستوري والقانون وأصول المحاكمات والاجتهاد، يستحق الدعم. ولذا يجب أن يُكمل القضاء تحقيقاته في قضية تفجير المرفأ من جهة، وقضية الأحداث في عين الرمانة من جهة أخرى بعيدًا عن أي مقايضة بين القضيّتين أو أي مساومة أو تسوية أو تسييس أو تطييف. فالقضاء لا يخضع لهذه المعايير التي تمارسها الجماعة السياسية في علاقاتها السياسية أحيانًا. القضاء حق وعدالة لصالح الجميع. القضاء لا يخلط بين القضايا، فشأنه أن يعطي “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”. لا شيء يعلو على حق شهداء المرفأ وأهاليهم، وعلى حقوق الجرحى والعائلات المشرّدة من بيوتها المهدمة وعلى تعويضاتهم، ولا شيء يعلو على معرفة الحقيقة الساطعة، ولا حقيقة من دون عدالة. فالحقيقة والعدالة يؤمّنان خير الجميع”.
وتابع غبطته قائلا” أتت هذه الحكومة بغية إنهاض لبنان وترميم علاقاته مع الأسرة العربية والدولية. فتعثّرت بسبب التحقيق القضائي في انفجار المرفأ. وتأتي اليوم الأزمة مع المملكة العربية السعودية خصوصًا ودول الخليج العربي عمومًا، وهي متعدّدة الأسباب ومتراكمة، ومن شأنها أن تسيء إلى مصلحة لبنان ومصالح اللبنانيين. لذلك نتطلّع إلى أن يتخذ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل معني بالموضوع، خطوة حاسمة تنزع فتيل تفجير العلاقات اللبنانية/الخليجية. وإذ ندعو إلى هذا الموقف الحاسم، فدفاعًا عن لبنان واللبنانيين المقيمين في الوطن وفي الخارج”.
وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي “نصلّي معًا، ونسأل الله أن يحمي لبنان وشعبه ليظلّ أرض العيش معًا بروح الأخوّة والسلام. ارض الحوار والانفتاح والتآخي والتعاون مع جميع الدول وهكذا يعود الى طبيعته الأساسية والى هويته. فيتمجّد الله الواحد والثالوث: الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
Comments are closed.