البطريرك الماروني: انهضوا واشهدوا بصون الاستقلال وتعزيزه. انهضوا واشهدوا بإخراج الشعب من عذابه وذله

نورسات الاردن

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الحادي والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر في كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان “لا تخافي، يا مريم، ها أنت تحملين وتلدين إبنًا، وتدعين اسمه يسوع” (لو 1: 30-31)، وذلك في أحد بشارة العذراء واليوم العالمي للشباب على صعيد أبرشي.

“لا تخافي، يا مريم، ها أنت تحملين وتلدين إبنًا، وتدعين اسمه يسوع” (لو 1: 30-31). هذه الكلمات الإلهيّة التي مضمونها نهوض من واقع الحال، ودعوة واضحة وانطلاق للقيام برسالة جديدة، تلتقي تمامًا مع الموضوع الذي اختاره قداسة البابا فرنسيس في رسالته ليوم الشبيبة العالميّ وهو: “انهض واشهد”، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد وأضاف: “وهما كلمتان مقتبستان من كلام الربّ لشاول – بولس، عندما ظهر له في طريق دمشق وهو متّجه إليها لاضطهاد المسيحيّين، واسقطه أرضًا عن جواده بنور إلهيّ، ثمّ قال له: “إنهض لأجعلك خادمًا وشاهدًا بما رأيتني وبما سوف تراني” (أعمال 26: 16)”.

وأشار البطريرك الراعي في عظته إلى أن “مريم بجوابها: “أنا أمة الربّ فليكن لي حسب قولك” (لو 1: 38)، وافقت وأطاعت إرادة الله، بل تبنّتها بفعل إرادة واع وحرّ. فتماهت إرادتها البشريّة مع الإرادة الإلهيّة. وأصبحت مريم مثالًا لكلّ مؤمن ومؤمنة يقبل إرادة الله جاعلًا إيّاها إرادته الشخصيّة. وأصبحت بالتالي مثالًا لكلّ مكرّس ومكرّسة، ولكلّ كاهن وأسقف”.

وتوقف غبطته عند رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للشباب على صعيد أبرشي: “انهض واشهد!” دعوة المسيح لبولس موجّهة اليوم إلى كلّ واحد وواحدة منكم أيّها الشّباب والشابات: انهَض! لا يمكنك البقاء على الأرض “تبكي حظَّك”، هناك رسالة تنتظرك! يمكنك أنت أيضًا أن تكون شاهدًا على الأعمال التي بدأ يسوع يحقّقها فيك. لذلك، أقول، باسم المسيح: انهَض واشهد لتجربتك مثل أعمى التقى النّور؛ انهَض واشهد للحبّ والاحترام الذي يمكن أن ينشأ في العلاقات الإنسانيّة؛ انهَض واشهد للحقيقة والعدالة الاجتماعيّة، وحقوق الإنسان؛ انهَض واشهد للنّظرة الجديدة التي تُريك الخليقة بعيون مليئة بالدّهشة؛ انهَض واشهد أنّ كلّ حياة أخفقت يمكن أن تُبنى من جديد؛ انهَض واشهد بفرح أنّ المسيح حيّ! وانشُر رسالته، رسالة الحبّ والسلام”.

وتابع البطريرك الراعي عظته مشيرا إلى الاحتفال بعيد الاستقلال في الثاني والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر وقال “عيد الاستقلال الثامن والسبعين غدًا يوجّه الدعوة إيّاها للشعب اللبنانيّ، وللمسؤولين السياسيّين، وللذين ما زال ولاؤهم لغير الوطن، وللذين يعرقلون سير المؤسّسات الدستوريّة، واستقلاليّة القضاء، وفصل السلطات، ويخرقون السيادة والوحدة الوطنيّة: انهضوا واشهدوا بصون الاستقلال وتعزيزه؛ انهضوا واشهدوا بإخراج الشعب من عذابه وذلّه، وبإعادته إلى سابق البحبوحة والفرح والعزّة؛ انهضوا واشهدوا بالعيش في كنف الدولة ودستورها وميثاقها واستقلالها، والتحرّر من المشاريع الطائفيّة والمذهبيّة؛ انهضوا واشهدوا لتلك الأيّام المجيدة حين اتّحد المسيحيّون والمسلمون وأعلنوا استقلال دولة لبنان بعد ثلاث وعشرين سنة على تأسيسها؛ انهضوا واشهدوا لفجر لبنان الذي كان أوّل دولة تتوحّد وتوحّد وتستقلّ وتحترم في الشرق”.

كما وأشار غبطته إلى أن “الاستقلال يشكو اليوم من وجود لبنانيّين غير مستقلّين. واللبنانيّون يشكون من وجود مسؤولين وقادة وأحزاب غير استقلاليّين. لا يتعايش الاستقلال مع ولاء فئات من الشعب لوطن آخر، ولا مع ضعف الدولة أمام الخارجين عنها وعليها. لا يتعايش الاستقلال مع حكم لا يوفِّر لشعبه الحياة الكريمة والرفاه والعمل والعلم والعدالة والضمانات الصحيّة والاجتماعيّة. لا يتعايش الاستقلال في وطن تَحوّل ساحة صراعات لجميع مشاكل الشرق الأوسط والعالم. لا يتعايش الاستقلال في مجتمع زادت فيه الفروقات الثقافيّة والحضاريّة وتباعدت أنماط الحياة فتركت انطباعًا أنَّ هذا المجتمع صار مجتمعات متنافرة. حبّذا لو يؤمن المسؤولون، واللبنانيّون عمومًا، في ذكرى الاستقلال، أن وجود لبنان هو أساسًا مشروع استقلاليّ وسياديّ وحياديّ في هذا الشرق. حبّذا لو يدركون أنَّ ضعف وحدة لبنان ناتج عن ضعف استقلاله. وبالتالي أن بداية الإنقاذ تبدأ باستعادة استقلال لبنان وترسيخ حياده الإيجابي الناشط في كلّ ما يختصّ بالسلام وحقوق الإنسان والحوار السياسيّ والثقافيّ والدينيّ والاستقرار في بيئته العربيّة”.

وقال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “إذا كانت جميع القوى السياسيّة قَبِلت بسياسة عدم الانحياز والنأي بالنفس الواردتين في البيانات الوزاريّة منذ الاستقلال إلى اليوم، فلماذا لا تلتزم بها وتطبِّقها؟ وإذا كانت هذه القوى آمنت جدّيًا بسياسة عدم الانحياز والنأي بالنفس، فلماذا لا تعتمد نظام الحياد الإيجابي لضمان استقلال لبنان واستقراره في إطار دستوريّ ثابت. في هذا السياق ننتظر أن تبادر الشرعيّة اللبنانيّة إلى اعتماده وطرحه رسميّا على المرجعيّات الدوليّة وبخاصّة على الأمم المتّحدة ليكون مضمونًا بقرار دوليّ يلزم جميع الدول باحترام سيادة لبنان، وهذا الأخير باحترام سيادة غيره من الدول. هكذا، تعيد الدولة للاستقلال معناه”.

Comments are closed.