رسالة البابا فرنسيس بمناسبة الذكرى السنوية السبعين على تأسيس المنظمة الدولية للهجرة

نورسات الاردن

إنَّ الهجرة ليست قصة مهاجرين فحسب، بل هي قصة عدم المساواة، واليأس، والتدهور البيئي، وتغير المناخ، وإنما أيضًا قصة الأحلام، والشجاعة، والدراسات في الخارج، ولم شمل العائلة، والفرص الجديدة، والسلامة والأمن، والعمل المجتهد وإنما الكريم” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة الذكرى السنوية السبعين على تأسيس المنظمة الدولية للهجرة

بمناسبة الذكرى السنوية السبعين على تأسيس المنظمة الدولية للهجرة وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين قرأها أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين؛ كتب الأب الأقدس أود أن أعرب عن تهانيَّ للمنظمة الدولية للهجرة على سنواتها السبعين في خدمة المهاجرين. هذه النقطة البارزة في تاريخ المنظمة، على الرغم من التحديات المتعددة التي يفرضها وباء فيروس الكورونا، تقدّم الفرصة لكي نجدّد رؤيتنا والتزامنا من خلال استجابة أكثر كرامة لظاهرة الهجرة.

تابع البابا فرنسيس يقول لعشر سنوات خلت، في الدورة المائة لهذا المجلس، وبقرار من سلفي العزيز، البابا بندكتس السادس عشر، اختار الكرسي الرسولي، وفقًا لطبيعته ومبادئه ومعاييره الخاصة، أن يصبح دولة عضوًا في هذه المنظمة. والدوافع الأساسية التي أدت إلى مثل هذا القرار لا تزال اليوم صالحة وأكثر إلحاحًا: أولاً التأكيد على البعد الأخلاقي لتهجير السكان، ثانيًا أن يقدّم الكرسي الرسولي من خلال خبرته وشبكته الموحدة من الجمعيات على الأرض في جميع أنحاء العالم، تعاون الكنيسة الكاثوليكية في الخدمات الدولية المخصصة للمهجرين. وثالثًا تقديم المساعدة الشاملة بحسب الاحتياجات، بدون تمييز، على أساس الكرامة المتأصلة لجميع أفراد العائلة البشرية عينها.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن الجدل حول الهجرة ليس في الحقيقة حول المهاجرين. بعبارة أخرى، لا يتعلق الأمر بالمهاجرين فقط إنما يتعلق بنا جميعًا، بالماضي والحاضر ومستقبل مجتمعاتنا. لا ينبغي أن نتفاجأ بعدد المهاجرين، وإنما علينا أن نلتقي بهم جميعًا كأشخاص، ونرى وجوههم ونصغي إلى قصصهم، في محاولة للاجابة على أفضل وجه ممكن على مواقفهم الشخصية والعائلية الفريدة. يتطلب هذا الجواب الكثير من الوعي البشري والعدالة والأخوة. علينا اليوم أن نتجنب إغراءً شائعًا جدًا: التخلص من كل ما هو مزعج. هذه هي بالضبط “ثقافة الإقصاء” التي ندَّدتُ بها مرات عديدة.

تابع البابا فرنسيس يقول في معظم التقاليد الدينية الرئيسية، بما في ذلك المسيحية، نجد تعاليم تحثنا على معاملة الآخرين كما نريد أن نُعامَل وأن نحب قريبنا حبَّنا لأنفسنا. فيما تصر تعاليم دينية أخرى على أن نذهب أبعد من هذه القاعدة وألا نتجاهل ضيافة الغريب، “فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون”. من الواضح أنّه على هذه القيم المعترف بها عالميًا أن توجه معاملتنا للمهاجرين في الجماعة المحلية وعلى المستوى الوطني.

أضاف الأب الأقدس يقول كثيرًا ما نسمع عما تفعله الدول لاستقبال المهاجرين. ولكن من المهم أيضًا أن نسأل أنفسنا: ما هي الفوائد التي يحملها المهاجرون للجماعات التي تستضيفهم وكيف تُغنيها؟ من ناحية، نجد في أسواق البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأعلى طلبًا مرتفعًا على اليد العاملة المهاجرة ويتم قبولها كوسيلة للتعويض عن نقص اليد العاملة. ولكن من ناحية أخرى، غالبًا ما يتم رفض المهاجرين وتعريضهم لمواقف بغيضة من قبل العديد من الجماعات المضيفة لهم. لسوء الحظ، تنبع ازدواجية المعايير هذه من سيطرة المصالح الاقتصادية على احتياجات وكرامة الشخص البشري.

كانت هذه النزعة واضحة بشكل خاص خلال “الإغلاق” الذي فرضه فيروس الكورونا، عندما كان العديد من العمال “الأساسيين” من المهاجرين، لكن لم يتم منحهم مزايا برامج المساعدة المالية لـفيروس الكورونا ولم يحصلوا على الرعاية الصحية الأساسية أو اللقاحات ضدّ فيروس الكورونا. وإنما لمن المؤسف أكثر أن يتمَّ استخدام المهاجرين كلَّ مرّة كورقة مساومة، وكبيادق على رقعة الشطرنج، وضحايا للمنافسات السياسية. بينما نعلم جميعًا، أن قرار الهجرة أو مغادرة الوطن أو الوطن الأصلي، هو بلا شك أحد أصعب القرارات في الحياة.

تابع البابا فرنسيس متسائلاً كيف يمكن استغلال المعاناة واليأس للمضي قدمًا بأجندات سياسية أو الدفاع عنها؟ كيف يمكن أن تسود الاعتبارات السياسية عندما تكون كرامة الشخص البشري على المحك؟ إن الغياب الأساسي للاحترام الإنساني على الحدود الوطنية يقلل منا جميعًا في “بشريّتنا”.

وبعيدًا عن الجوانب السياسية والقانونية للحالات غير النظامية، يجب ألا نغفل أبدًا عن الوجه البشري للهجرة وحقيقة أننا، بغضِّ النظر عن التقسيمات الجغرافية للحدود، جزء من عائلة بشرية واحدة. ولذلك أود أن أغتنم هذه الفرصة لأبدي أربع ملاحظات: أولاً هناك حاجة ملحة لإيجاد طرق كريمة للخروج من المواقف غير النظامية. إنَّ اليأس والرجاء يسودان دائمًا على السياسات التقييدية. وكلما زادت السبل القانونية، قل احتمال انجرار المهاجرين إلى الشبكات الإجرامية للإتجار بالبشر أو الاستغلال وسوء المعاملة أثناء التهريب.

ثانيًّا أضاف الأب الأقدس يقول يبرز المهاجرون الرابط الذي يوحِّد العائلة البشرية كلّها وغنى الثقافات ومورد التبادل الإنمائي والشبكات التجارية التي تشكل جماعات الشتات.

وبهذا المعنى، تصبح مسألة الإدماج أساسية؛ لأنَّ الإدماج يعني عملية ثنائيّة الاتجاه، تقوم على المعرفة المتبادلة والانفتاح المتبادل واحترام قوانين وثقافة البلدان المضيفة بروح اللقاء والغنى المتبادل. ثالثاً تابع البابا فرنسيس يقول تُعتبر العائلة المهاجرة مكونًا حاسمًا لجماعات عالمنا المعولم، ولكن في العديد من البلدان يُحرم العمال المهاجرون من مزايا الحياة العائليّة واستقرارها بسبب العوائق القانونية.

إن الفراغ البشري الذي يترك وراءه عندما يهاجر أحد الوالدين بمفرده هو تذكير قاسٍ بالمعضلة الخانقة المتمثلة في أن يجد المرء نفسه مُجبرًا على الاختيار بين الهجرة وحده لكي يطعم عائلته أو التمتع بالحق الأساسي في البقاء في بلده الأصلي بكرامة.

رابعًا تابع الحبر الأعظم يقول على المجتمع الدولي أن يتصدى بشكل عاجل للظروف التي تؤدي إلى الهجرة غير النظامية، مما يجعل الهجرة خيارًا مستنيرًا لا ضرورة ملحة.

والآن إذ لن يشعر معظم الأشخاص الذين يمكنهم العيش بشكل لائق في بلدانهم الأصلية بأنهم مجبرون على الهجرة بشكل غير نظامي، فسيكون هناك حاجة ماسة إلى بذل جهود من أجل خلق ظروف اقتصادية واجتماعية أفضل لكي لا تكون الهجرة هي الخيار الوحيد للذين يبحثون عن السلام والعدالة والأمن والاحترام الكامل للكرامة البشريّة.

إنَّ الهجرة باختصار ليست قصة مهاجرين فحسب، بل هي قصة عدم المساواة، واليأس، والتدهور البيئي، وتغير المناخ، وإنما أيضًا قصة الأحلام، والشجاعة، والدراسات في الخارج، ولم شمل العائلة، والفرص الجديدة، والسلامة والأمن، والعمل المجتهد وإنما الكريم.

وخلص البابا فرنسيس إلى القول في الختام، قد يبدو تحقيق إدارة عالمية مناسبة لحركات الهجرة، وفهم إيجابي لها واتباع نهج فعال للتنمية البشرية المتكاملة، وكأنها أهداف بعيدة المدى.

ولكن لا يجب أن ننسى أبدًا أن الأمر لا يتعلق بالإحصاءات، وإنما بأشخاص حقيقيين تتعرض حياتهم للخطر. وبالتالي إذ تتجذّر في خبرتها الطويلة ستستمر الكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها في مهمتها المتمثلة في استقبال الأشخاص المتنقلين وحمايتهم وتعزيزهم ودمجهم. أشكركم من كلِّ قلبي وأستمطر عليكم وعلى البلدان التي تمثلونها وعلى المهاجرين وعائلاتهم فيض بركات الرب.

Comments are closed.