زائرٌ من خلف أسوار الوجود بمناسبة عيد الميلاد المجيد
نورسات الاردن / د. جلال فاخوري
من خلف أسوار الوجود يطّل علينا زائر ليس عادياً ويخترق بنوره أبواب وشبابيك بيوتنا مانحاً إيانا فرح الحياة. نعم! فرح العقول والأرواح والأجساد، باسطاً مجده في كلّ مكان في الكون. زائر منح إبراهيم عشائر الأرض على عدد رمالها. زائر ليس أي زائر إلا أن يكون بسيطاً بساطةَ مذوذه وعظيماً بحجم الحياة منذ أن كانت سرّاً لا يفهمه الإنسان فإن إسرار الكون ليست على الأرض، ولهذا يجيئ ابن الإنسان لا ليحرر الإنسان من شروره فحسب بل ليوحِّدَ الإنسان ليكون كإبن الإنسان.
وإذا كان الميلاد جسداً عاش على الأرض صانعاً لحياةٍ لا يفهمها الإنسان فإنّ الروح المرافقة تجسِّدنا في السماء أيضاً وبمعنىً بسيط أنّنا نعيش على الأرض مؤمنين أو غير ذلك. فإننا نُسَخٌ مصغّرة للسماء لأننا خلقنا ألهة صغيرة نجسّد الوجود الإلهي. فالميلاد بالجسد هو تجسيد لجسد “فإن الروح مولودة من الروح” والمولود من الروح هو روح والمولود من الجسد هو جسد. وهذا ما يجعلنا نفهم أن الأرض هي سماء لله. الميلاد عظمة لا يفهمها إلا المؤمنين ومن أراد ذلك فالميلاد فرح .. فرح الله في الأرض.
صحيح أنّ الميلاد بالجسد سّر لكنه روحٌ الحياة المصنوعة من الروح. فهو روح من روح وإله من إله “، نؤمن بإله واحد ورب واحد هو يسوع المسيح” حسب قانون الإيمان.
الميلاد هو اختراق للفهم الإنساني وانبثاق غامض. وما ميلاد السيد المسيح إلا تجسيد للحياة بأنّها فوقية لا أرضية. وحين نعتبر أنّ الميلاد أو الصلب هو نعمة إلهية إنما هي تكريم وليس تواضع فقط. بعيدِ الميلاد أرى نفسي لا زلت أتوه في أحضان من ولدتني تمتلئ بالسيد المسيح. فالميلاد هدية يجب أن نفهم قيمتها بروحيتها لا بتمثيلها بزينة أو لون. بالميلاد يَسقط الكبرياء وبالميلاد يعرف المرء قيمته وتتلاشى كل أحقاد البشر، وبالميلاد نتعرف على حقارتنا وضعفنا، وبالميلاد نتعرف على عقولنا أو لنقول سخافتنا.
Comments are closed.