كنيسة سيدة الخليج الجديدة

نورسات الاردن / د. جلال فاخورى

حين كان آدم وحواء يجولان في الأرض لم تكن الأديان قد اتخذت طابعاً محدداً ومؤطراً، ولم تكن المسيحية والإسلام قد وجدتنا أو ترسختا في العقل البشري. وما أن أخذت الأديان أشكال الحرية والتعبير والرأي والإعلان عن نفسيهما بدأت تتبلور فكرة التأطير والتحديث والتركيز على دين بعينه.
وحيث كان الخليج يمتنع عن السماح للمسيحية بالتمدّد على أرضه نرى اليوم التسامح الديني قد انعكس إيجاباً على العقل البشري، وأخذت الكنيسة طريقها إلى الوجود في الإمارات، واليوم في البحرين التي يُبنى فيها كنيسة تتسّع لحوالي 2300 مصّلٍ، وهذا عمل يشير بوضوح إلى مدى التفهّم البحريني لمسألة التسامح الديني، حيث بالتسامح والمشتركات الدينية المختلفة تتعمّق الثقافة وتتسع خطى التطّور.
فوجود كنيسة في البحرين هو مباركة بحرينية لخطوة دينية متقدّمة تسعى لنسج حرائر المحبة والسلام وتقوّي عرى الثقافة البشرية، ويعود على النسيج الشعبي بقوة ومتانة. وأوّد التذكير أنّ زيارة البابا فرنسيس لكل من الأزهر والإمارات رسمت أولى عتبات المقاومة للجرائم الداعشية. فالإسلام سلام والمسيحية محبة، وكل من المحبة والسلام سّر للإنسانية أي روح إيجابية. فالروح أياً كانت مَهِّيُتها حيث تستقطب دوماً إيجابية تُنشأ وحدةً وتماسكاً ليس وطنياً فحسب بل سيكولوجياً راسخاً.
إنّ بناء كنيسةٍ في البحرين هو استكمال للكنيسة في الأمارات وفي الكويت المتسامحة منذ عشرات السنين، وإننا نتمنى أن تخطو قطر وعُمان واليمن وكل الدول الإسلامية لتكون الكنيسة عاملا هاماً في خلق جبهة عربية خلاّقة.
إنّ البحرين بهذه الخطوة اللافتة هي اختراق للتخلّف الذي يراد للعروبة أن تكون عليه. التسامح الإسلامي المسيحي حتى اليهودي هو مطلبٌ سماوي أُوصيَ به في كافة الأديان وأن التزمت حول هذا الخصوص هو شكل متخلّف من اللاإنسانية. فبناء كنيسة في البحرين يُظهر مدى الوعي الديني في الروح الإنسانية.
هنيئاً للكنيسة وهنيأً لشعب البحرين الذي قّدم نفسه كشعبٍ متطوّر خلاّق وتحية للملك حمد بن عيسى آل خليفة على هذه الخطوة المباركة. من المؤسف أن يقال أن الأديان تخلّف ولكنّ الواقع يثبت أنّها عامل تطّور وبصرف النظر عما يقال عنها أو ما هو كائن فإن الأديان ضرورة يُمليها الوجود والحياة، وسواء كانت الأديان سالبة أم موجبة فإن الحياة سارت وتسير بهدي هذه الأديان شاء الإنسان أم أبى، وحيث يكون الله يكون السلام.