رسالة البطريرك ساكو لعيد الميلاد المجيد: الميلاد الرّجاء

نورسات الاردن

وجّه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو رسالة الميلاد المجيد للعام 2021، تحت عنوان “الميلاد الرّجاء”، جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:”وسط هموم الأجواء السّياسيّة المشحونة بالتّوتّرات والصّراعات، وتلوّث البيئة وتغيير المناخ، وتداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن التّحدّيات الّتي فرضتها الانتخابات التّشريعيّة العراقيّة،

يأتي عيد ميلاد السّيّد المسيح ليذكّرنا بقوّة برسالة الرّجاء المفعمة بالسّلام والأخوّة والمحبّة والتّضامن وببركات الله. فالعيد فرصة مميّزة لشحن إيماننا وتجديد رجائنا وحماسنا. بشرى الميلاد هي: “لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ” (لوقا 2/ 10-11). إنّها نداءٌ للسّلام والأمان، والمحبّة والرّحمة والكرامة، والمصالحة وتعزيز العلاقات الأخويّة.الإيمان المسيحيّ  ميلاد المسيح يمثّل بقوّة حضور الله بيننا. ميلاده يُعبّر عن محبّة الرّبّ للبشر من كلّ الجنسيّات والثّقافات ولكلّ الأزمنة، وعن قربه منهم واهتمامه بهم. ميلاده يدعونا إلى الانفتاح على حضوره لكي يملأ حياتنا رجاءً وسلامًا وفرحًا، فيتحقّق بالتّالي الملكوت السّماويّ على الأرض “المجدُ لله في العُلى وعلى الأرض السّلام” (لوقا 2/ 14). لننضمّ إلى العذراء مريم بقولها: “أَنا خادمة الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ” (لوقا 1/ 38).قصّة ميلاد المسيح هي قصّة الله بكلّ ألوهيّته، من أجلنا: نعمةٌ وبركة، حبٌّ وأُخُوّة وشِركة. أَمَا نُرتِّل في الميلاد: “عندما تذوبُ نفسي في كيانِ الله أكونُ في الميلاد؟” هل هناك أعظم من هذه النّعمة؟ الميلاد يعني أنّ الله ينظر إلينا لنولد منه (من علُ) ويريدنا أن ننظر بصدق إلى الآخرين كإخوة وشُركاء.الميلاد هو الحدث المؤسّس للمسيحيّة، ومحور لاهوتها، إنّه نقطة البداية، حتّى يولد يسوع في قلوبنا وحياتنا عبر صلاتنا، والتزامنا بتعليمه، وخدمتنا لإخوتنا لاسيّما أولئك الأشدّ فقرًا وهشاشة، فنتذوّق حلاوة بنوَّتنا لله وإخوتنا البشريّة. هذه الرّؤية المسيحيّة هي قبل كلّ شيء خبرة روحيّة داخليّة تنعكس على الخارج، وتجعل الميلاد يستمرّ في تاريخ البشريّة. يقول القدّيس امبروسيوس أسقف ميلانو (339-397): “إنّ كلّ نفسٍ مؤمنة، تحبل وتلد كلمة الله. لتستقرّ نفس مريم في كلّ واحد منّا، لتمجيد الله. إذا لم يكن للمسيح غير أمّ واحدة بحسب الجسد، فإنّه يبقى ثمرة الجميع بحسب الإيمان”. وبخصوص الإفخارستيّا (القدّاس) الّتي نحتفل بها، أليست هي قمّة هذا الحضور- الاندماج في القربان الّذي نتناوله بإيمان لكي نتحوّل إليه؟

إحتفالنا كلّ عام بذكرى ميلاده هو احتفال بالإيمان، وعودة إلى الينابيع لتصحيح مسار قضايا مهمّة في حياتنا، ولكي نتعامل مع الأخوّة والتّسامح والسّلام والمحبّة، بنضج ووعي أكثر.هنا علينا أن ندرك أنّ مفهوم المجيء الثّاني– الاسكاتولوجيّ، لا يرتبط بالتّاريخ– الزّمن، وإنّما بانعكاس رسالة المسيح المستمرّة في واقع حياتنا اليوميّة. أليس عن هذا التّواصل يشير سِفر الرّؤيا: “ها أنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه…” (رؤيا 3/ 20).القبول أو الرّفض يبقى قائمًا كما كان في زمن يسوع. هذا الحضور لا نكتشفه صدفةً، بل يتطلّب أن نبحث عنه مثل الرّعاة والمجوس، وأن يبدأ كلّ واحد حياته معه بشغف وثقة. من ناحية الكنيسة الموكَلة رسالته إليها، يتعيّن أن تترجمها إلى الثّقافة الحاليّة عِبر أساليب جديدة ولغة معاصِرة مفهومة فتشدّ النّاس إلى المسيح وتعاليمه. هذا السّعي يعكس حيويّتها وأمانتها للمسيح وللإنسان.الميلاد بالنّسبة للعالمالعالم سينهض عندما يصغي الإنسان إلى ضميره، وإلى نداءات الله، ويسعى لاحترام الآخرين وتحقيق العدالة ليعُمّ السّلام والأمان والمحبّة في العالم أجمع، وليس في البحث عن المصالح الاقتصاديّة والسّياسيّة فقط. على الغرب، خصوصًا أوروبا ألّا تُنكر أنّ تاريخها مجبول بالأخلاق والرّوحانيّة المسيحيّة. فالميلاد- الأمل خبرة بشريّة عالميّة ينبغي أن تُتَرجم معانيه الإنسانيّة السّامية في الشّأن العام.ّالميلاد بالنّسبة للعراقيبقى الميلاد الأمل، عندما يرتقي العمل السّياسيّ والخَدَمي إلى مستوى طموح المواطنين عِبرَ رؤية وطنيّة مخلصة، وفضاء سليم للحوار في مواجهة الأزمات المتراكمة والمشاكل الشّائكة لصالح الأمن والأمان وترسيخ الدّيمقراطيّة وتوفير الخدمات، وصيانة كرامة العراقيّين. هذا الأمل ينبغي أن يترجمه العراقيّون على أرض الواقع من خلال الاعتماد على الذّات وليس على الخارج، ونبذ الخلافات وكسر الانتماء الطّائفيّ وترسيخ الانتماء الوطنيّ والسّعي معًا لبناء دولة مدنيّة، دولة مواطنة، دولة عدالة وقانون، دولة يعيش مواطنوها بحرّيّة وكرامة وأمان ومساواة.لنصلِّ في هذا العيد من أجل السّلام والاستقرار في بلدنا العراق والعالم، وليشعّ كلُّ واحد منّا قِيَم التّسامح والمحبّة والسّلام والحياة والأخوَّة فيكون المجد لله في العُلى، والسّلام على الأرض: لتشفع لنا أمّنا مريم العذراء.الأمل هو آخر ما يموتميلادٌ مبارك وكلّ عام وأنتم بخير، والعراق والعالم في حالة أفضل.”

Comments are closed.