البابا فرنسيس: لتَنَل لنا ملكة السلام، الوفاق والتناغم لقلوبنا وللعالم أجمع
نورسات الاردن
بالتأمل في مريم التي وضعت يسوع في المذود، وجعلته في متناول الجميع، نتذكر أن العالم يتغير وحياة الجميع تتحسن فقط إذا وضعنا أنفسنا في تصرُّف الآخرين” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في عيد القدّيسة مريم والدة الله
لمناسبة احتفال الكنيسة بعيد العذراء مريم أم الله، في الأول من كانون الثاني يناير من كل عام، تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم السبت صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين في الفاتيكان، وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها نبدأ العام الجديد ونوكله إلى مريم أمِّ الله. يتحدث عنها الإنجيل الذي تقدّمه الليتورجيا اليوم ويعيدنا مجدّدًا إلى سحر مغارة الميلاد. ذهب الرعاة مسرعين إلى المغارة وماذا وجدوا؟ وجدوا – يقول النص – “مريمَ ويوسُف، والطِّفلَ مُضْجَعًا في المِذوَد”. لنتوقف عند هذا المشهد ونتخيل مريم التي، كأم حنونة قد وضعت يسوع للتو في المذود. في تصرُّفها هذا يمكننا أن نرى عطيّة تُعطى لنا: فالعذراء لا تحتفظ بابنها لنفسها، ولكنها تقدمه لنا؛ وهي لا تضمُّه بين ذراعيها وحسب، بل تضعه في المذود لكي تدعونا لكي ننظر إليه ونقبله ونعبده. ها هي أمومة مريم: الابن الذي ولد تقدِّمه لنا جميعًا.
تابع البابا فرنسيس يقول وبوضعه أمام أعيننا، دون أن تقول أيّة كلمة، هي تُعطينا رسالة رائعة: إنَّ الله قريب وهو في متناول اليد. لا يأتي بقوّة الذين يريدون أن نخافهم، وإنما في هشاشة الذين يطلبون أن نحبّهم؛ هو لا يحكم علينا من أعلى العرش، وإنما ينظر إلينا من الأسفل كأخ، لا بل كابن. لقد ولد صغيرًا ومعوزًا لكي لا يخجل أحد من نفسه بعد الآن: لأنه عندما نختبر ضعفنا وهشاشنا، يمكننا أن نشعر بأن الله أقرب، لأنه جاء إلينا هكذا ضعيفًا وهشًا. إنه الله-الطفل الذي وُلِد لكي لا يستبعد أحدًا. وإنما ليجعلنا جميعًا إخوة وأخوات.
أضاف الأب الأقدس يقول هوذا العام الجديد يبدأ مع الله الذي، وهو بين ذراعي الأم ومضجعًا في مذود، يشجّعنا بحنان. نحن بحاجة إلى هذا التشجيع. لا زلنا نعيش في مرحلة غير مستقرة وصعبة بسبب الوباء. كثيرون يخافون من المستقبل وتُثقِّلهم المواقف الاجتماعية والمشاكل الشخصية والأخطار التي تأتي من الأزمة البيئية والظلم والاختلالات الاقتصادية العالمية. بالنظر إلى مريم وابنها بين ذراعيها، أفكر في الأمهات الشابات وأطفالهن الذين يفرون من الحروب والمجاعات أو ينتظرون في مخيمات اللاجئين. وبالتأمل في مريم التي وضعت يسوع في المذود، وجعلته في متناول الجميع، نتذكر أن العالم يتغير وحياة الجميع تتحسن فقط إذا وضعنا أنفسنا في تصرُّف الآخرين، دون أن ننتظر أن يبدؤوا هم أولاً. إذا أصبحنا صانعي أخوَّة، فسنتمكن من أن ننسج مجدّدًا خيوط عالم مزقته الحروب وأعمال العنف.
وخلُص البابا فرنسيس إلى القول يُحتفل اليوم باليوم العالمي للسلام. السلام هو في الوقت عينه عطيّة من علو وثمرة التزام مشترك. عطيّة من علو: علينا أن نطلبها من يسوع، لأننا وحدنا لا نستطيع الحفاظ عليها. يمكننا أن نبني السلام حقًّا فقط إذا كنا نملكه في قلوبنا، وإذا نلناه فقط من أمير السلام. لكن السلام هو أيضًا التزامنا: يطلب منا أن نقوم بالخطوة الأولى، ويتطلب مبادرات ملموسة. هو يُبنى من خلال التنبُّه للأخيرين وتعزيز العدالة وشجاعة المغفرة التي تطفئ نار الحقد والكراهية. وهو يحتاج أيضًا إلى نظرة إيجابية: أن ننظر دائمًا – في الكنيسة كما في المجتمع – لا إلى الشر الذي يفرِّقنا، بل إلى الخير الذي يمكنه أن يوحدنا! لا يفيدنا أن نستسلم ونتذمّر وإنّما أن نُشمِّر عن سواعدنا لكي نبني السلام. لتَنَل لنا أم الله، ملكة السلام، في بداية هذا العام الوفاق والتناغم لقلوبنا وللعالم أجمع.
Comments are closed.