نورسات الاردن / بقلم الأب نبيل حدّاد
“رأينا نَجمَه في المَشْرق، فَجِئنا لِنَسجُدَ لَه” (متى ٢: ٢)
ها هو أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين يحلّ علينا ليوفّر لنا، نحن المسيحيين من جديدٍ، فرصةً مؤاتيةً لِلّقاءِ بروحٍ مسكونيّةٍ، لنصلّي معاً ولنعيش معاً زمناً مسكونياً.
كان المجلس الحبريّ لتعزيز الوحدةِ المسيحيّة قد أوكل إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط تنظيم الأسبوع لهذا العام. فجاء بنكهة ولونٍ مشرقيّين، ومن أرضنا التي تَجذَّرَت فيها كلمةُ الله ومِنها انطَلقَت بشارة الإنجيلِ التي حَمَلَها شهودُ المعلم الإلهي في “أورشليم وفي اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”, فجاء “أسبوع” هذا العام مشرقيّاً مزداناً بنجم الميلاد وحاملاً عنوان “رأينا نَجمَه في المَشْرق، فَجِئنا لِنَسجُدَ لَه” (متى ٢: ٢)
في ليلة النّزاع (الأورشليمية) تلك وعندما “أتت السّاعة” اهتزّت مدينةُ الآلام والقيامة وهي تسمعُ كلماتِ صلاة المعلّم الكهنوتيّة “لِيَكُونوا وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا.. لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي”. إنّها الكلماتُ الّتي تحملُ لنا اليومَ أيضاً دعوةً للسّير معاً، بعيداً عن كلّ الإنقسامات والأزمات الّتي زعزعت ماضينا، وقد تُزعزِع حاضرَ تّلاقينا، كما تذكّرنا بضرورةٍ مفروضةٍ من باطن الكنيسة، بالسّعي بإرادة طيّبة وبجسارةٍ وصبرٍ لتحقيقِ وحدة منظورة. “فاتّباعُ المَسيحِ هو طَريقُنا الجديدُ ودَعوةٌ إلى التَّوبةِ والتّجديدِ في حَياتِنا الشّخصيّة التي توحي إلينا أنْ نعودَ إلى حَياتِنا وكنائسِنا وعالَمِنا في طُرقاتٍ جديدة. إنها دعوة الكنائس للعمل معًا من أجل البنيان على حَسَب قلبِ الله.”
ننظر إلى المشرق اليوم، حيث الجماعةُ المَسيحيةُ الصغيرةُ عدداً، تجدُ نفسَها بحاجةٍ أكثرَ مِن أيِّ وَقتٍ مَضى للشَّركة بين أعضائها والسير معاً والصّلاة مَعًا، وإلى الإصغاء بخشوع المؤمنين إلى صلاة المعلّم وإلى بعضهم البعض.
ليست الوحدة المسيحية المنشودة تنظيماّ أو شكلاً مظهرياً خارجياً. إنّها تقوم على الحياة المشتركة في يسوع المسيح حَجَرِ الزَّاوِيَةِ الذي يريد “إنساناً واحداً جديداً وصانعاً سلاماً” وأساسُها الصلاةُ والمحبةُ الأخويةُ. وهذه الوحدة التي تصبح حقيقةً واقعةً منظورةً فقط عندما ننضج في المسيح، نتحمّل نحن جميعاً ومعاً مسؤولية “السير معاً” نحوها.
هذا الاسبوع، في ثُمانِيّةٍ للصّلاة، ليسَ تجمُّعاً بروتوكوليّاً يتناوب الأدوارَ فيه أساقفةٌ وكهنةٌ وِفق (كوتا طائفية). إنه أكبرُ من ذلك. إنّه فسحةُ لقاءِ صلاةٍ وأُخُوّةٍ. إنّه “أوانُ خدمةِ الرّبِّ” وطاعتِهِ لنجعَلَ منهُ محطةً تنقلُنا معاً بروحٍ مشرقيّة في زمنٍ مسيحيّ مسكونيّ، عبر حجّ نحو الوحدة بالمحبة، في أسابيع السّنة الاثنين والخمسين، لنَعبُر بالتوبة وبالصّلاة في الوحدة والإتّحا،د ونعيشَ معاً محبّة المسيح “لأَنَّ بِهِ لَنَا قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ”.
على المسيحيّين أن يَفهموا أن الوحدةَ عملٌ مستمرٌّ أرادَهُ المعلّم الإلهي، كما في صلاته “لكي يكون أولئك الذين يؤمنون به واحدًا، كما هو والآب واحد.” وأيضًا لكي يُكمَّل المؤمنون في الوحدةِ “أَنَا فِيهِمْ َوأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ”. وهذا يعني ضمنا أنّه مسيرةُ سَعيٍ ونموٍّ دائمةٌ و”معاً.” إنّه حقّاً “شركةٌ وشراكةٌ ورسالةٌ”.
في ضوءِ ما نراهُ مِن حولِنا، وفي أسبوع خُصِّص للصّلاةِ من أجل وحدةِ المسيحيين، يجدُر بنا، الآن وفي كلّ آن، أن نُدركَ حقيقةً مهمّةً وهي أن الوحدة المسيحية تشكّل أيضاً عاملاً رئيساً في صدقيّة شهادتِنا المسيحية كشهودٍ في المجتمع وفي العالم، حتى يؤمنوا بيسوع المسيح.
إنّنا غالباً ما نكونُ، نَحنُ المسيحيين، “الكتابَ المقدَّس” الوحيدَ الّذي يقرأُه النّاس. فمِن خلالِ حياتِنا بالتّقوى وبشهادتِنا بالكَلِمة لِشخصِ السّيّد المَسيحِ وعَملِه الخَلاصيّ، وبِوحدَتِنا المَسيحِيَّة، نُعلنُ للعالمِ حَقيقةَ إيمانِنا، وهو أن الله أرسل ابنَه الوحيد ليدفع ثمن الخطيئة كي يمنحَ الحياة الأبدية لجميع الذين يؤمنون به، “ليؤمن العالم أنك أرسلتني” .
بوحدتنا ننمو في التقديس “مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ” ونصبح علامة الوحدة التي يريدها الله لكنيسته والخليقة كلها. وها هو قداسة البابا فرنسيس يُشجّعنا على تذكيرِ أنفسنا “بأننا نقوم بهذه الرّحلة ليس كمن يمتلكون الله، ولكن كأولئك الذين يواصلون البحث عنه”، وأننا “مُطالَبون بأخذ يد إخوتنا وأخواتنا والمضي قُدُماً معاً” ومساعدة بعضنا البعض للتقدم بشكل أقرب إلى الله.
هكذا يكون سيرُنا معاً حجّاً مشرقيُا نحو الوحدة وعلى هَدي (نجم) النّور السّماوي لنستحقّ أن “نسجدَ له”.
نعم.. إنّه أسبوعٌ للصّلاة.
Comments are closed.