البطريرك الماروني: إننا نرفع صلاتنا إلى الله، مصدر كل سلام وأخوّة إنسانية، كي يزرع السلام في القلوب
نورسات الاردن
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي يوم أمس الأحد الثالث عشر من آذار مارس في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة بعنوان “إيمانك خلّصك … يكفي أن تؤمن” ( لو 8: 48 و 50)، قال فيها ” نلتمس اليوم من الله عطية الإيمان وروح الصلاة. إنهما لغتنا مع الله”.
في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “للمرأة النازفة التي لمست طرف ثوب يسوع، يقينًا منها أنها إذا فعلت تشفى من نزيف دمها، وهكذا حصل، قال يسوع: “تشجّعي، يا ابنتي، إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام” (لو 8: 48). هذا هو الإيمان الصامت المشتعل في قلبها. وليائيرس، رئيس المجمع، الذي تبلّغ، وهو في الطريق مع يسوع، أنّ ابنته ماتت، وليس من حاجة لإزعاج المعلّم، قال يسوع: “لا تخف، يكفي أن تؤمن، فتحيا ابنتك”(لو 8: 50). هذا هو الإيمان الذي “يرجو ضد كل رجاء” (روم 4: 18). وأضاف غبطته “يتّضح من هاتين الآيتين أنّ الله يقرأ في قلوبنا. قرأ يسوع إيمان المرأة النازفة التي لمست بصمت طرف ثوبه، فكانت صلاتها الصامتة ناطقة في نيّتها وفعلتها. وقرأ إيمان يائيرس الذي جثا وتوسّل إليه أن يدخل بيته ليشفي ابنته المشرفة على الموت. فكانت صلاته الناطقة صامدة في إيمانه الذي لم يتزعزع عندما بلغه خبر موتها، وعندما دعاه يسوع لعدم الخوف بل للرسوخ في الإيمان”.ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، تطرّق البطريرك الراعي في عظته إلى الوضع في لبنان وقال “يعاني المواطنون، عندنا في لبنان، فوق فقرهم وبطالتهم وتدنّي رواتبهم، من عشوائية مصرفية واقتصادية وتجارية وسياحية من دون رقابة أو رادع. وكأن التشريع المالي في هذه القطاعات أمسى هو أيضًا مستقلًّا عن قوانين الدولة وعن قوانين النقد والتسليف. فمن حجز الأموال، إلى فقدان الدولار، إلى تقنين السحب بالليرة، إلى تلاعب الصرّافين بجميع العملات، إلى منع التحاويل لتغطية الضرورات، إلى قبول بطاقات الائتمان مع زيادة على قيمة الفاتورة، إلى رفض الدفع ببطاقات الائتمان، إلى فرض الدفع نقدًا. إنه النزيف المالي والمعيشي والاجتماعي. لا تستطيع الحكومة معالجة هذا الوضع العشوائي إلّا بإحياء الحد الأدنى من النظام المالي، وضبط مداخيل الدولة بجباية الضرائب والرسوم من الجميع، وفي جميع المناطق اللبنانية، وضبط مداخيل المطار والمرافئ والحدود، وايقاف التهريب دخولًا وخروجًا، واستثمار الأملاك البحرية”.وفي هذا السياق، أشار البطريرك الماروني إلى “صرخة المعلّمين في المدارس الخاصة”، وقال “فهي اليوم تبدو عاجزة عن دفع الرواتب بسبب امتناع المصارف عن قبول التحويلات من حساباتها الى حسابات المعلمين. ما يجعل المدارس عاجزة عن الالتزام بعقود العمل المبرمة مع المعلمين والموظفين. وهذا يشكل خطراً وجودياً على كل مدرسة ومؤسسة لا تملك سيولة كافية لدفع الرواتب المتوجبة عليها. وفي الوقت عينه لا يُسمح لأهالي الطلاب بسحب مبالغ تغطي مصاريفهم الشهرية. وكم بالحري أقساط أولادهم المدرسية؟ وإن لم يسحب الاهل مبالغ نقديه كافيه، كيف للمدرسة أن تدفع رواتب المعلمين والموظفين؟ إنّها حلقه مفرغة يدورون جميعهم فيها. المطلوب من المصارف ومصرف لبنان اعتبار الاقساط المدرسية أولوية مطلقة لكونها تؤثر على المجتمع ومستقبل البلاد والتعليم. لذا يُطلب تمكين المؤسسات التربوية من تسديد المستحقات المتوجبة عليها من المبالغ المودعة سابقًا في حساباتها أو بموجب شيكات يدفعها الاهل أو حوالات من الدولة او الجهات المانحة. فأيّ معلم أو موظف يرتضي العمل إن لم يستطع الحصول على راتبه الذي فقد أصلاً أكثر من 90 بالمئة من قيمته الفعلية بسب انهيار سعر صرف العملة الوطنية؟ وكيف يمكن الاستمرار في العيش إن لم يحصل المودع على أموال نقدية؟”.وتابع غبطته قائلا “وأيضًا في القطاع التربوي، الذي هو الأساس في تكوين شخصية المواطن اللبناني، نحن حريصون على ألّا يفتح قرار مجلس شورى الدولة الصادر أمس الأول بشأن “المركز التربوي للبحوث والإنماء” بابًا للدخول في دوامة صراع جديد على رئاسة المركز. وقد يكون ذلك مدخلًا للبعض كي يتلاعبوا في مناهجنا اللبنانية النابعة من ثقافتنا وحضارتنا المكونة على حوض البحر المتوسط. المطلوب ابعاد الاطماع السياسية عن التربية وترك المجال لأهل الاختصاص، بل تفويضهم رسميًّا بالتعاون مع اصحاب الشأن التربوي لصناعة مناهج وطنية ملائمة للتطور التربوي والتكنولوجي الحاصل في العالم”.وأضاف البطريرك الراعي يقول “إن حياد لبنان، الذي هو من صلب هويته، والقائم على عدم الدخول في أحلاف ومحاور وصراعات سياسية وحروب إقليمية ودولية، والذي يقتضي أن تكون الدولة قوية بجيشها وأجهزتها الأمنية، لكي تفرض سيادتها في الداخل وفي الخارج إذ تحترم سيادة الدول الأخرى، وتردّ كل اعتداء عليها بقواها الذاتية. هذا الحياد يجعل لبنان صاحب رسالة. فيتعاطف مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الشعوب، ويتّخذ مبادرات للمصالحة وحل النزاعات، ويعمل من أجل السلام والاستقرار. من هذا القبيل، وباسم الإنسانية والملايين من سكان أوكرانيا اللاجئين إلى بلدان أخرى وسائرين نحو المجهول بحقيبة صغيرة، وباسم الضحايا والقتلى التي تقع على أرضها وأرض روسيا، نشجب هذه الحرب الروسية – الأوكرانية ونطالب بإيقافها. فلا نتيجة منها سوى القتل والدمار والتهجير والإفقار والتجويع وإتلاف الثروة الطبيعية وإذكاء الحقد والبغض والعداوة”. “وباسم الحياد” – قال غبطته -“نطالب بعودة النازحين السوريين إلى وطنهم، لكي يحافظوا على ثروة أرضهم وثقافتهم وكرامتهم، ويواصلوا كتابة تاريخهم. إن عودتهم مرتبطة بقرار سياسي لبناني وعربي ودولي، وقد فاق عددهم المليون ونصف المليون أي نحو 35% على الأقل من سكان لبنان. غياب هذا القرار بات يأخذ طابع مؤامرة على كيان لبنان ووحدته وهويته وأمنه. إن حل قضيتهم يستدعي العجلة، خصوصًا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وبروز موجات نزوح جديدة في أوروبا والعالم”.وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “إننا نرفع صلاتنا إلى الله، مصدر كل سلام وأخوّة إنسانية، كي يزرع السلام في القلوب، فيدرك حكّام الدول أن مهمتهم الأساسية تمتين أسس السلام الداخلي والخارجي”. “طوبى لفاعلي السلام، فإنّهم أبناء الله يدعون” (متى 5: 9). بالسلام على الأرض يتمجّد الثالوث القدوس الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
Comments are closed.