المعدن الاصيل
نورسات الاردن / الخوري أنطوان الدويهيّ
أخبرتني إحدى السيّدات قصَّتها، قالت: تعرَّفت إلى زوجي في الجامعة. بدا وسيمًا جدًّا، قلبًا وقالبًا. امتلك بسمة ساحرة، أخذت بمجامع قلبي منذ اللحظة الأولى للقائنا. كنتُ في سنتي الجامعيَّة الأولى وهو في سنته الجامعيَّة الأخيرة. تعثَّرتُ وسقطتُ على الأرض، فأسرع والتقطني. ومنذ تلك اللحظة، أحسستُ أنَّني وجدتُ أمير أحلامي. وبدأت بيننا قصَّة حبٍّ رائعة.
استمرَّت علاقتنا ثلاث سنوات. ظلَّ يواعدني في الجامعة بالرغم من انتهائه منها قبلي بسنتين. عرف أحدنا الآخر عن كثب، كما تعرَّفت إلى أهله وهو تعرَّف إلى أهلي. ويوم تخرَّجي طلبني من والدي ولبسنا خاتم الخطبة، على أن يتمَّ زواجنا بعد أشهر ثلاثة. وهذا ما جرى فعلاً.
عشتُ شهر عسل رائع مع من أحبّ، وظننتني أسعد امرأة في العالم. وبعد عودتنا من شهر العسل، بدأ زوجي يتأخَّر ليلاً في العودة إلى البيت، وأحيانًا يعود وهو يترنَّح من كثرة ما يعاقر الخمرة. حاولت ثنيه عمَّا يفعله فلم يرتدع. والغريب في الأمر، كان يقوم في اليوم التالي نشيطًا وكأنَّ شيئًا لم يكن.
مع مرور الوقت، تبيَّن لي أنَّه لا يتعاطى الخمرة، بل يتعاطى شيئًا أخطر منها ألا وهو المخدِّرات. جرَّبتُ أن أساعده ليلتحق بمركز تأهيل لكنَّه رفض ذلك. كما اكتشفتُ بعدئذٍ أنَّه لا يتعاطى فقط المخدِّرات بل هو يتاجر بها. وما تردُّده إلى الجامعة إلاَّ ليبيع تلك الممنوعات. حينها لم يكن يتعاطاها، لكن أُرغم على تعاطيها بعدما دسَّ له شريك بعضًا منها داخل سيجارة فاعتاد عليها، حتَّى أدمن. ظلَّ على هذه الحال إلى أن اكتُشف أمره وأودع في السجن بتهمة السرقة أوَّلاً، ومن ثمَّ بتهمة تجارة المخدِّرات.
عاشرته ثلاث سنوات قبل الارتباط به، ولم أكتشف يومًا أنَّه يتاجر بأشياء ممنوعة. كنتُ مبهورة بأخلاقه الرفيعة ووسامته الفائقة. قد أكون انخدعتُ بالمظاهر، لكن ما أعرفه أنَّه أحبَّني فعلاً، وما زال.
بعد مرور خمس سنوات من السجن، أُفرج عنه بكفالة بسبب سلوكه الجيِّد في السجن. عاد إلى البيت شخصًا آخر. فأنا لم أتركه يومًا واحدًا، بل كنتُ أزوره يوميًّا حاملة إليه طعام الغداء. وجودي إلى جانبه طوال سجنه، أشعره بوخز الضمير، وقرَّر تغيير مسلك حياته. أخبرني يومًا أنَّه كان فقيرًا وكانت أمُّه بحاجة إلى عمليَّة جراحيَّة فاضطُرَّ، بعدما أُغلقت في وجهه جميع الأبواب،إلى بيع المخدِّرات الذي درَّ عليه المال الكثير. وبسبب هذه التجارة استطاع أن ينقذ أمَّه من موت محتَّم…
يُقال: لا تحكم على شخص من خلال مظهره. وأضيف: ولا تحكم عليه من خلال تصرُّفاته. فالكثير من البشر يخفون حقيقتهم تحت ثيابهم، وفي قلوبهم. والكثير منهم، يَفرض عليهم الواقع المرير القيام بأعمال لا يرغبونها. ويبقى المعدن الثمين صافيًا مهما بدا عليه الصدأ. والوقوف إلى جانب الكريم لا بدَّ وأن يعيده إلى صوابه وإلى معدنه الأصيل، ولو بعد حين، مهما مرَّت عليه الصعوبات…
Comments are closed.