كانت ضرورة الانطلاق من آفاق السلام والتنمية محور كلمة قداسة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم رؤساء جامعات مقاطعة لاتسيو الإيطالية والعاصمة روما.
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح الاثنين رؤساء الجامعات الثلاثة عشر في مقاطعة لاتسيو الإيطالية وفي عاصمتها روما والتي تجمعها لجنة تسيق الجامعات في إدارة المقاطعة
. وبعد توجيه التحية إلى الجميع توقف الأب الأقدس في حديثه إلى ضيوفه عند ما وصفه بالواجب المحمل بمسؤولية كبيرة الموكل إلى الجامعات في هذه اللحظة التاريخية. وأشار البابا إلى تحديات عديدة تواجهنا بشكل غير مسبوق ومتسارع، مثل الجائحة وانتشار الحرب العالمية الثالثة المجزأة في أوروبا، وأيضا القضايا البيئية العالمية وتزايد اللامساواة. وقال البابا إن هذا تحدٍ له تبعات ثقافية وفكرية وأخلاقية قوية وأشار إلى أن هذا المشهد يهدد بخطر أن يولِّد لدى الأجيال الشابة اليأس والضياع وفقدان الثقة، وأسوأ من هذا الاعتياد عليه. وتابع ان علينا قول الحقيقة، الاعتراف بأننا في أزمة، وأضاف أن الأزمات تجعلنا ننمو إلا أن الخطر يكمن في تحول الأزمة إلى نزاع. وشدد قداسته على ضرورة تعلم العيش في أزمات وتعليم شبابنا في الجامعات عيش الأزمات وتجاوزها كي لا تتحول إلى نزاع.
وواصل البابا فرنسيس أن الشباب يدعوننا إلى تحمل مسؤولياتنا، وهكذا فإن هذه هي لحظة استثمار تربوي كبير، ولهذا تم إطلاق الميثاق التربوي العالمي والذي هو مشروع عمل مشترك على الصعيد العالمي يشرك أطرافا كثيرة، من الأديان الكبيرة إلى المؤسسات الدولية والمؤسسات التربوية المنفردة. وتحدث الأب الأقدس في هذا السياق عن وثيقة الأخوّة الإنسانية التي تم انطلاقا من هذه الروح توقيعها في أبو ظبي في ٤ شباط فبراير ٢٠١٩، وأشار إلى الاتفاق على الاهتمام بتربية متكاملة تشمل معرفة الذات والأخ، الخليقة والمتسامي. وواصل قداسة البابا مؤكدا أن هذا هو تحديدا أفق السلام الذي نطالب به اليوم ونصلي من أجله، أفق التنمية الحقيقة والمتكاملة التي لا يمكن بناؤها إلا بالحس النقدي والحرية والحوار. وأشار الأب الأقدس إلى أن هذا هو في الأساس مفهوم الجامعة وما لها من دور يتجاوز الحواجز والحدود.
ثم أكد الأب الأقدس أن هناك الكثير بعد مما يجب عمله لضمان التطور التقني والعلمي ولكن أيضا الاستدامة البشرية. وشدد على أن التغيرات الكبيرة تدعونا إلى إعادة التفكير في نماذجنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وذلك من أجل استعادة القيمة المركزية للشخص البشري. وأشار البابا في هذا السياق إلى أن كلمة “جامعة” في حد ذاتها تصور جماعة وأيضا فكرة تشارُك المعارف، وتوقف عند الخدمة الهامة التي يمكن للجامعات أن تقدمها من أجل إعادة النظر في نماذجنا التنموية في وحدة بين أفضل الطاقات الفكرية والأخلاقية. وشدد قداسته على أن الطلاب لا يكتفون بالحصول على بيانات ولا بتكوين مهني بدون آفاق، وهذا ما تبرزه على سبيل المثال التعبئة للكثير من الباحثين الشباب في الاقتصاد بتنسيق، ودعا رؤساء الجامعات إلى عدم ادخار الجهود أبدا للإصغاء إلى الطلاب والزملاء، وإلى الواقع الاجتماعي والمؤسساتي سواء القريب أو العالمي، وذلك لأن الجامعات لا حدود لها، ولا يمكن للمعرفة والبحث والحوار إلا أن تتخطى اية حواجز. دعا قداسته ضيوفه من جهة أخرى إلى التحلي بشجاعة التخيل والاستثمار من أجل تنمية بشرية للبحث وتنشئة شباب قادرين على حمل شيء جديد إلى عالم العمل والمجتمع. شدد البابا أيضا على ضرورة تربية الشباب على الاحترام، احترام الذات والقريب، الخليقة والخالق.
وتابع البابا فرنسيس حديثه إلى رؤساء الجامعات حاثا إياهم على العمل من أجل أن يتمكن جميع من يستحقون ولكن لا تتوفر لديهم الوسائل من أن يمارسوا بشكل كامل حقهم في الدراسة والتكوين. ودعا الأب الأقدس ضيوفه أيضا إلى مواصلة التزامهم الجدير بالتقدير باستقبال الطلاب والباحثين والأساتذة ضحايا الاضطهاد والحروب والتمييز في دول مختلفة في العالم. شدد قداسته من جهة أخرى على ضرورة تحفيز تعليم هو خدمة للجماعة، مع الانتباه إلى الفقر والضواحي الوجودية والاجتماعية، وذلك من أجل أن يمنح الطلاب معنى وقيمة إضافيَّين إلى تكوينهم الجامعي كي لا يكون منفصلا أبدا عن الحياة والأشخاص والمجتمع. وواصل البابا فرنسيس معربا لرؤساء الجامعات عن رجائه في أن تكون جامعاتهم جماعات حية وشفافة وفعالة، منفتحة على الاستقبال ومسؤولة، وذلك في أجواء مثمرة من التعاون والتبادل والحوار مع تثمين الجميع وكل فرد. تمنى قداسته أيضا لضيوفه ان يتمكنوا من قراءة ومواجهة تغير الحقبة هذا بتأمل وتمييز، وذلك بدون أحكام ايديولوجية مسبقة أو خوف. وحذر الأب الأقدس هنا من الأيديولوجيات وذلك لأنها تدمر بسبب إبرازها طريقا وحيدا، تدمر الايديولوجيات إنسانية الشخص، تنزع عنه قلبه وقدرته على الإبداع.
ومن بين ما تطرق إليه قداسة البابا فرنسيس في حديثه إلى رؤساء جامعات مقاطعة لاتسيو ومدينة روما الثلاثة عشر اقتراب الاحتفال بيوبيل سنة ٢٠٢٥، وأراد في هذا السياق التذكير بأنه وبعد ثلاث سنوات من الاحتفال اليوبيلي الأول سنة ١٣٠٠ تم تأسيس Studium Urbis، أي مؤسسة التربية العالية المخصصة لغير الكهنة والتي أسسها البابا بونيفاسيوس الثامن. وقال البابا فرنسيس إن هذه الخطوة وكأنها أرادت إبراز وتأكيد العلاقة بين الكنيسة والمؤسسة الجامعية، أحد أقدم أشكال التعبير عن الحضارة الأوروبية التي تطورت فيما بعد في العالم. وتحدث قداسة البابا بالتالي عن رباط قديم ووثيق نحن مدعوون إلى تطويره والتطلع إليه في بناء مسؤول ومستدام لمسيرات التنمية. وفي سياق حديثه عن يوبيل سنة ٢٠٢٥ ذكَّر البابا فرنسيس بشعاره ألا وهو “حجاج رجاء”، وأضاف أن هذا الشعار يمكنه أن يعبِّر عن هذا الالتزام والتطلع إلى آفاق متقاسمة، آفاق حياة وخير وأخوّة.
وفي ختام حديثه إلى رؤساء جامعات لاتسيو وروما الذين استقبلهم صباح اليوم الاثنين أعرب قداسة البابا فرنسيس عن شكره وتمنياته للجنة تنسيق الجامعات في إدارة مقاطعة لاتسيو، ثم منح الجميع بركته سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.
Comments are closed.