لا تكن من المفسدين بقلم الخوري أنطوان الدويهيّ

  أرادت أن تنضمَّ إلى زوجها الذي يعمل في إحدى الدول العربيَّة.

وصلت إليه فاستقبلها بالأحضان وقادها إلى بيته.

أوصلها إلى البيت وعاد إلى عمله، بعد أن قال لها إنَّ الخادمة ستكون في استقبالها. ولمَّا تدخل البيت حتَّى طُرق الباب ودخلت الجارة لاستقبال الضيفة العزيزة. فدخلت إلى المطبخ وأعدَّت القهوة وكأنَّها صاحبة الدار. وبعد شرب القهوة، قادت الضيفة الكريمة لزيارة أقسام البيت ومن ثمَّ توجَّهتا إلى غرفة النوم. لم تنبس المرأة بكلمة، بل راحت تراقب تصرُّفات الجارة بشيء من الاستغراب.
ولمَّا اطمأنَّت الجارة على أنَّ كلَّ شيء على ما يرام، استأذنت المرأة لتمضي إلى بيتها الملاصق بعدما نظرت إلى الزوجة قائلة لها: “نهارًا سعيدًا، إن احتجت إلى أيِّ شيء يمكنك على تتَّصلي بي على الرقم 5 الداخليّ؛ فآتيك على الفور!”
لم تتحمَّل الزوجة تصرُّفات الجارة وشكَّت أنَّ لا بدَّ من أن تكون هناك علاقة حميمة بين زوجها والجارة. فكتبت رسالة صبَّت فيها جام غضبها عليه وطلبت فيها الطلاق منه؛ وأخذت حقيبتها وتركت البيت إلى أقرب فندق.
لمَّا عاد زوجها إلى البيت قرأ ما في الرسالة ثمَّ اتَّصل بها وسألها إلى أين انتقلت.

ثمَّ توجَّه فورًا إلى الفندق. وقال لها: “عذرًا، ألم أقل لك إنَّ الخادمة في انتظارك؟ الظاهر أنَّك دخلتِ قبلها. أليس من قبيل الصدف أن أجد خادمة تسكن مع أسرتها في البيت الملاصق لبيتي؟”
أحيانًا كثيرة سوء تفاهم صغير، يحصل دون قصد أو تصميم، يؤدّي إلى خلاف كبير قد تكون نتائجه وخيمة. وأحيانًا أخرى، كذبة بريئة أو مزحة ثقيلة أو سؤال بسيط أو تصرُّف جريء قد يُفسد على الآخرين حياتهم ويقودهم إلى مشاكل كبيرة لا حلول لها. فكم من عود ثقاب صغير سبَّب حريق غابة كبيرة! وكم من ثرثرة تافهة أوقعت معارك طاحنة! فالعقول الصغيرة تقع بسهولة في أيدي العابثين وهي في الأساس لقمة سائغة في فم الماكرين.
ما زال عالمنا مليئًا بالقلوب الصافية والعقول البسيطة، وفي المقابل نرى أنَّ عدد المحتالين يزداد يومًا بعد يوم، وما عملهم سوى تضليل تلك القلوب والعقول. كما لا ننسى أنَّ كثيرين يَشعلون نار الغيرة والحسد والنقمة والغضب والفتنة دون أن يدروا أوَّلاً، ودون أن يُدركوا عواقب أقوالهم وأفعالهم ثانيًا.
كم على المرء أن يكون خفيف الظلِّ حيثما وُجد، لئلاَّ يكون السبب في بؤس الآخرين وتعاستهم. وإذا فحص كلُّ واحد ضميره، يكتشف كم من المرَّات كان فعلاً سببًا لشقاء آخرين، أقرباء كانوا أم معارف. أمَّا النجيب فذاك الذي يسبِّب أقلَّ ضرر ممكن حيثما حلَّ لئلاَّ يصحَّ فيه المثل الألمانيّ القائل: “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”.
خلاصة القول، إن شئتم أن تكونوا سعداء في حياتكم: لا تكونوا ممَّن يفسد على الآخرين حياتهم!

Comments are closed.