تفسير آيات إنجيلة بقلم الأب فادي هلسا

ما هو معنى الآية لم آت إلا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل؟


هنا لا يمكن تفسير آية مبتورة ومنفردة يجب قراءة النص الذي أتت به وما هي الظروف التي بها قيلت هذه الآية .


هذه الآية موجودة في إنجيل متى أصحاح 15 في حادثة شفاء إبنة المرأة الكنعانية وهذا هو النص :
21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ.
22 وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا».
23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!»
24 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
25 فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!»
26 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب».
27 فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!».
28 حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
هنا ومن خلال إيراد النص الذي أتت به هذه الآية يمكن تفسيرها بما يناسب روح النص وبهذا يكون التفسير منطقيا .
يسوع في جولاته في المدن والقرى كان محاطا بتلاميذه ومن فضوليين يتبعونه إضافة لجواسيس الفريسيين لكي يصطادوه بكلمة إضافة لمن سمع به من تلك المدينة أو القرية يأتون ليرونه .
ولا ننسى أن من بين التلاميذ والتابعين كان منهم أناس ما زالوا متعصبين لتقاليد اليهود مثل القديس التلميذ سمعان الغيور وبطرس ومنهم الشكاكين وعلى رأسهم الرسول توما .
خرجت تلك المرأة الكنعانية والظاهر أنها تعاني معاناة كبيرة مع ابنتها المريضة وهذا واضح من لهفتها وصراخها وتوسلها .
فلم يجبها بكلمة لكنها أصرت عليه فيما طلبت فأجابها :
24 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».
يتهم بعض القارئين السطحين لهذه الحادثة الرب يسوع بالعنصرية لليهود وأنه قسى على تلك المرأة .
ولكن المتأمل بعمق لما يحيط هذه الحادثة من ظروف يجد أن الرب يسوع المسيح قال هذه الآية على سمع وبصر من هم حوله ليقول لهم نعم أنا متعصب لجنس اليهود ولن أعمل معجزة ولو واحدة إلا مع اليهود .
هنا تتصرف المرأة بحكمة ملهمة من الله فقد أتت وسجدت له ولهذا السجود علامة عظيمة في نظر اليهود اللذين ينظرون للمسيح كشخص عادي فقد ورد في الشريعة :
للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد سفر التثنية 3 : 16
هنا سجود المرأة ليسوع هو علامة اعتراف منها أنه الإله الكامل عرفته ولم يعرفه هؤلاء اليهود .
أي اليهود اللذين من المفروض أنهم الخراف الضالة اللذين أتى لأجلهم يسوع لم يعرفوه إلها لكن هذه المرأة عرفته وسجدت له .
أراد الرب أن يبين لمن معه صورة إيمانية أخرى لإيمان تلك المرأة فقال :
26 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب».
إنها جملة ليست قاسية فحسب بل هي في منتهى القسوة فالكلب في نظر اليهود أيضا هو حيوان نجس وكأن الرب يقول لها أنتِ نجسة كنجاسة الكلاب .
فهل قصد الرب هذا المعنى ؟
بالطبع لا
لقد استعمل الرب مصطلح الكلاب كصفة يقولها اليهود كثيرا فيما بينهم واصفين الأمم أي غير اليهود بأن نجاستهم كالكلاب بمعنى أن جميع من هم من غير المسيح هم كلاب نجسة .
فماذا كان رد المرأة ؟
27 فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!».
هنا نلاحظ ما يلي :
قبل قليل سجدت المرأة ليسوع معترفة بربوبيته أنه الرب
والآن تطلق عليه اللقب الأسمى بأنه السيد
نعم يا سيد أيدت المرأة ما قاله الرب طاعة له ومعنى كلامها كما فهمه الرب هو :
أؤيد كلامك وأطيعه لكن من فيض خبز البنين أقبل الشبع من فتات هذا الخبز الفائض عن حاجة البنين ( اليهود )
هنا لم يُطق الرب صبرا بل أعلن قوة وعظم إيمان هذه المرأة على إيمان اليهود العنصري الذي هو ضد إرادة الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون 1 تيموثاوس 2 .
هنا أعلن الرب إعلانه الذي به كسر عنصرية اليهود وتشامخهم وغطرستهم بالقول :
28 حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
هنا يعلن الرب للجميع بأن هذه المرأة الوثنية المصنفة يهوديا من الكلاب بأنها امتلكت إيمانا عميقا وعظيما وبناء على هذا الإيمان نالت مرادها في شفاء ابنتها .
ومن هنا أؤكد للجميع أن لا نبتر آية ونفسرها خارج السياق لأنه في حالات كثيرة سنفسرها ضد معناها الحقيقي بل نتأمل الآية في جو النص الذي أتت به فيكون التفسير من روح النص الإنجيلي فيكون لدينا الفهم الأروع .
آمين

Comments are closed.