المشاركين في مبادرة “مستشفيات مفتوحة” في سوريا في ضيافة قداسة البابا

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم السبت ٣ أيلول الجاري في الفاتيكان المشاركين في مبادرة “مستشفيات مفتوحة” في سوريا، بحضور السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زناري. وجه البابا لضيوفه خطاباً أكد فيه أن ”المستشفيّات مفتوحة” للمرضى الفقراء، من دون تمييز في الانتماء العرقيّ والدّينيّ. كما أنها تعبّر عن كنيسة تريد أن تكون بيتًا أبوابه مفتوحة ومكانًا للأخوّة الإنسانيّة.

قال البابا عندما نفكر في سوريا، تتبادر إلى ذهني كلمات سفر المراثي: “لِأَنَّ تَحَطُّمَكِ عَظيمٌ كالبَحْر فمَن ذا يَشْفيكِ؟” . هذه التعابير تشير إلى آلام أورشليم ويمكن أن تجعلنا نفكر في آلام الشّعب السّوري وكلّ معاناته، وفي هذه السّنوات الاثنتي عشرة من الصّراع الدمويّ. ننظر إلى الأعداد غير المحّددة للقتلى والجرحى، ودمار أحياء وقرى بأكملها، والبنى التحتيّة الرئيسيّة، بما في ذلك المستشفيّات. بحسب المراقبين الدوليّين، لا تزال الأزمة السّورية واحدة من أضخم وأشدّ الأزمات في العالم، ففيها دمار على دمار، وتفاقُم الاحتياجات الإنسانيّة، وانهيار اجتماعيّ واقتصاديّ، وفقرٌ وجوع بمستويات خطيرة جدًّا.
مضى البابا إلى القول: أمام هذا الألم الهائل، الكنيسة مدعوّة إلى أن تكون ”مستشفًى ميدانيًا“، لمعالجة الجراح الرّوحيّة والجسديّة. لقد بقيت الكنيسة، منذ زمن الرّسل، أمينة لأمر يسوع: “اِشْفوا المَرْضى، وأَقيموا المَوتى، وأَبرِئوا البُرْص، واطرُدوا الشَّياطين. أَخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا”. كما أن سفر أعمال الرّسل يروي لنا أنّهم “كانوا يَخرُجونَ بِالمَرْضى إِلى الشَّوارِع، فَيَضعونَهم على الأَسِرَّةِ والفُرُش، لِكَي يَقَعَ ولَو ظِلُّ بُطرُسَ عِندَ مُرورِه على أَحَدٍ مِنهُم”. واعتزازًا بهذا التراث، فقد حثثتُ الكهنة عدة مرّات، لا سّيما يوم الخميس المقدّس، على لمس جراح الناس وخطاياهم وضيقاتهم. وشجّعتُ جميع المؤمنين على لمس جراح يسوع، وهي المشاكل والصّعوبات والاضطهادات والأمراض العديدة التي يتألّم منها الناس.
تابع الحبر الأعظم خطابه قائلا: أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إنّ مبادرتكم، مبادرة ”المستشفيّات المفتوحة“، التي تريد أن تدعم المستشفيّات الكاثوليكيّة الثلاثة، العاملة في سوريا منذ حوالي مائة عام، والعيادات الأربع، نشأت تحت رعاية دائرة خدمة التنمية البشريّة المتكاملة، وبدَعم سخيّ من مؤسّسات كنسيّة أخرى. وأضاف: ”المستشفيّات المفتوحة“ هو برنامجكم. وهي مفتوحة للمرضى الفقراء، ومن دون تمييز في الانتماء العرقيّ والدّينيّ. تعبّر هذه الصّفة عن كنيسة تريد أن تكون بيتًا أبوابه مفتوحة ومكانًا للأخوّة الإنسانيّة. في مؤسّساتنا الاجتماعيّة والخيريّة، يجب أن يشعر الأشخاص، وخاصّة الفقراء، بأنّهم ”في بيتهم“ وأن يختبروا جوًّا من الاستقبال يحافظ على كرامتهم. لذلك، كما أشرتم بحقّ، تكون الثّمرة التي نجنيها مزدوجة: معالجة الأجساد وترميم النّسيج الاجتماعيّ، وتعزيز فسيفساء العيش معًا النّموذجي بين مختلف المجموعات العرقيّة والدينيّة، التي تتميّز بها سوريا. في هذا الصّدد، أن يبدي المسلمون الكثيرون شكرهم، أكثر من غيرهم، لتَلَقِّي المساعدة في مستشفياتكم، يحمل معنى كبيرًا.
هذا ثم قال البابا لضيوفه: لقد أهديتموني اليوم أيقونة جميلة ليسوع السّامري الرّحيم. هذا الإنسان البائس في مَثَلِ الإنجيل، الذي نهبه اللصّوص وتركوه نصف ميت على جانب الطّريق، يمكن أن يكون صورة مأساويّة أخرى لسوريا، التي اعتُدِيَ عليها، ونُهِبَت، وتُرِكَت نصف ميتة على جانب الطريق. لكنّ المسيح، السّامري الرّحيم، لا ينساها، ولا يتركها. لا هو ولا الكثيرون من السّامريّين الصّالحين والرّحماء: أفرادًا، وجمعيّات، ومؤسّسات. بعض المئات من هؤلاء السّامريّين الصّالحين والرّحماء، ومن بينهم بعض المتطوّعين، فقدوا حياتهم وهم يساعدون الآخرين. لهم نقدّم كلّ شكرنا وتقديرنا. وفي الرّسالة العامّة Fratelli tutti كتبت ما يلي: “إنّ قصّة السّامري الرّحيم تتكرّر: الاهمال الاجتماعيّ والسّياسيّ قد حوّل أجزاء كثيرة من عالمنا إلى طرق مهجورة، تَترك فيها النزاعات الداخليّة والدوليّة وتدمير الفرص، الكثيرَ من المهمّشين، وتُلقي بهم إلى جانب الطريق”. ودعوت إلى التّفكير: “كلّنا مسؤولون تجاه الرّجل الجريح الذي هو الشّعب نفسه وجميع شعوب الأرض”.
في ختام كلمته قال البابا: أمام الاحتياجات الخطيرة الكثيرة، نشعر بحدود إمكانيّاتنا في التدخّل. نشعر بأنفسنا نوعًا ما مثل تلاميذ يسوع، أمام الجموع الكثيرة الجائعة، مع ذلك شجع البابا فرنسيس ضيوفه على السير قدما وقال لهم: أشكركم على عملكم وأبارككم من كلّ قلبي. امضوا قُدُمًا! ليُشفَ المرضى، وليُولَد الرّجاء من جديد، ولتُزهِر الصّحراء من جديد!

Comments are closed.