البابا يوجه مؤسسة استشارية إلى المزيد من ضبط الاستهلاك وتوفير بيئة أمنه لمن هم أقل حظا

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الخميس 22 أيلول الجاري المشاركين في لقاء لمؤسسة Deloitte Global الاستشارية.


وقال الأب الأقدس في بداية كلمته إلى ضيوفه إنه يعلم بتوفير المؤسسة فرص طلب الاستشارة للشركات والعاملين في قطاع الأعمال بشكل يومي ما يُعتبر مسؤولية كبيرة.
ثم تحدث البابا فرنسيس عن معاناة عالم اليوم جراء تدهور الأوضاع البيئية، ولفت الأنظار إلى أن شعوبا أو مجموعات اجتماعية كثيرة تعيش بصورة غير كريمة فيما يتعلق بالتغذية والصحة والتعليم وغيرها من حقوق أساسية، كما وأشار إلى أن البشرية قد تعولمت وهي في اتصال ولكن يظل هناك الفقر والظلم واللامساواة.
ومن هذا المنطلق تساءل الأب الأقدس ما هي بالتالي الشروط التي تُمَكن استشاريا أو خبيرا من الإسهام في تغيير أو على الأقل تصحيح هذا المسار، وكيف يمكن تنظيم العمل بشكل يضمن القدرة على السير نحو عالم يمكن سكنه بشكل أفضل، عالم أكثر عدلا وأخوّة. وتابع أنه يريد تقديم ثلاثة مقترحات، الأول هو الحفاظ على الوعي بالقدرة على ترك علامة، ما يعني العمل من أجل ترك علامة جيدة على الدرب نحو تنمية بشرية متكاملة. وقال لضيوفه إن معارفهم وخبراتهم وكفاءاتهم وشبكات علاقاتهم تشكل إرثا غير مادي كبيرا يساعد رجال الأعمال والمصرفيين والمدراء والإدارات العامة على فهم الإطار وتخيل المستقبل واتخاذ القرارات، أي أن على العاملين في المؤسسة الاستشارية المساعدة على الفهم من أجل المساعدة في اتخاذ القرارات. وواصل البابا فرنسيس أن هذا يمنح المؤسسة وكل العاملين فيها القدرة على توجيه الاختيارات والتأثير على المعايير وتقييم الأولويات، وذلك سواء للشركات أو الجامعات أو الأجهزة فوق الوطنية والحكومات الوطنية والمحلية ومَن عليهم اتخاذ قرارات على الصعيد السياسي. وإلى جانب هذه السلطة، قال الأب الأقدس، يجب أن تتوفر لدى العاملين في المؤسسة الرغبة في توجيه تحليلهم واقتراحاتهم نحو خيارات تتماشى مع نموذج الإيكولوجيا المتكاملة، وأضاف قداسته أنه من الجيد طرح السؤال حول العالم الذي نريد أن نتركه لأبنائنا وأحفادنا.
ثم انتقل قداسة البابا إلى المقترح الثاني ألا وهو ضرورة تحمُّل وممارسة المسؤولية الثقافية والتي يًقصد بها أمرين، وهما أولا ضمان توفير جودة مهنية مناسبة ثم جودة أنثروبولوجية وأخلاقية تُمَكن العاملين في المؤسسة من اقتراح إجابات متماشية مع الرؤية الإنجيلية للاقتصاد والمجتمع، أي مع العقيدة الاجتماعية للكنيسة. وتابع البابا أن هذا يعني تقييم التبعات المباشرة وغير المباشرة للقرارات والتأثير على النشاطات وفي المقام الأول على الجماعات والأشخاص والبيئة. وواصل قداسته مشددا على واجب الحفاظ على الثقافات المتنوعة التي أنتجت ثراءها على مر القرون حتى لا يَفقر العالم، هذا إلى جانب عدم التغافل عن تحفيز هذه الثقافات على أن تُبرز من ذاتها شيئا جديدا في اللقاء مع حقائق أخرى.
وفي تطرقه إلى المقترح الثالث، وهو تثمين التنوع، قال البابا فرنسيس إن كل الأجهزة التي أسسها الإنسان، ما بين مؤسسات وشركات ومصارف، جمعيات وحركات، لديها الحق، في حال إدارتها بشكل صحيح ونزيه، في أن تحافظ على هويتها وأن تطورها. وأشار قداسته إلى حديث البعض عن تنوع بيولوجي في قطاع الأعمال كضمانة لحرية الشركات وحرية اختيار العملاء والمستهلكين والمدخرين والمستثمرين، وأيضا كشرط لا غنى عنه للاستقرار والتوازن والغنى البشري.
ومن المواضيع الأخرى التي تطرق إليها البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في لقاء المؤسسة الاستشارية Deloitte Global مواصلة معاناة العالم بسبب التغيرات المناخية بينما تستمر حروب قاسية وخفية في مناطق مختلفة، كما ويستمر اضطرار عشرات الملايين من الأشخاص إلى الهجرة بشكل قسري. وبينما تتحسن الحياة اليومية لجزء من رجال ونساء العالم يتضرر جزء آخر جراء اختيارات غير مكترثة ليصبح هؤلاء ضحايا ما يمكن اعتبارها تنمية مضادة.  
ثم ختم الأب الأقدس كلمته متوقفا عند ما يمكن للاستشاريين أن يفعلوا في هذا الإطار الصعب المتسم بعدم اليقين، وتحدث عن ضرورة الانطلاق من رؤية متكاملة واقتراح توجيهات جديدة أمام التحديات الجديدة. وتابع مشيرا إلى مَن أسماهم “الاستشاريين المتكاملين”، أي الخبراء الذين يأخذون بعين الاعتبار الرباط بين المشاكل وحلولها الممكنة والذين يتقبلون مفهوم الأنثروبولوجيا العلائقية. ثم أعرب البابا فرنسيس عن الرجاء في أن يتمكن العاملون في المؤسسة من التعاون من أجل تشييد جسر بين النموذج الاقتصادي الحالي القائم على الاستهلاك المبالغ فيه، والنموذج الناهض القائم على الدمج والاعتدال، العناية والخير.

Comments are closed.