تأملات البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا /كيف تعاش خبرة الفرح والألفة مع الرّبّ؟



على لقاء يسوع الأخير من رحلته إلى أورشليم، لقائه بزكّا، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا عشيّة الأحد الحادي والثّلاثين للزّمن العاديّ، متوقّفًا عند إنجيل هذا اليوم: لوقا ١٩، ١- ١٠، مقارنًا هذا اللّقاء بلقاء يسوع مع أحد الوجهاء الأغنياء.
وفي هذا السّياق، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

“رحلة يسوع إلى أورشليم تقترب الآن من نهايتها، وهي تمتاز بلقاءات مع أشخاص متنوّعين.

المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد (لوقا ١٩، ١–١٠) يسرد لقاءً هو الأخير في هذه السّلسلة: يسوع موجود الآن في مدينة أريحا، المحطّة الأخيرة قبل الصّعود إلى المدينة المقدّسة. وبينما كان في الطّريق يلتقي بزكّا.

ولفهم أعمق لهذا اللّقاء، يمكن مقارنته بلقاء آخر عاشه يسوع، جرى قبل ذلك بقليل. إنّه لقاء مع أحد الوجهاء الأغنياء، نجده في الفصل ١٨، ١٨–٢٣.

هناك نقاط مشتركة بين اللّقاءين.

نحن نتعامل، في كلتا الحالتين، مع شخص ثريّ: كان الوجيه غنيًّا جدًّا (لوقا ١٨، ٢٣) وكان زكّا “رئيس عشّارين، وثريًّا (لوقا ١٩، ٢).

في كلتا الحالتين، هناك سؤال، ورغبة، وبحث: يسأل الوجيه يسوع عن الحياة الأبديّة (لوقا ١٨، ٨)، ويتسلّق زكّا شجرة محاولاً رؤيته (لوقا ١ ٩، ٤).

في كلتا الحالتين، نقرأ حالتهم النّفسيّة بعد اللّقاء، وهي متعارضة في هذه المرّة: يخرج الوجيه “منقبض النّفس” (لوقا ١٨، ٢٣)، بينما زكّا “يمتلئ بالفرح” (لوقا ١٩ ،٥).

لماذا؟ ما الّذي اختبره زكّا وغاب عن الرّجل الغنيّ؟

يكمن الاختلاف في اختبار زكّا بأنّ الرّبّ يبحث عنه.

أوّلاً زكّا هو الّذي يبحث عن رؤية يسوع ويعمل كلّ ما في وسعه: يتقدّم راكضًا، ولكونه قصير القامة، يتسلّق شجرة جمّيز (لوقا ١٩، ٤). ولكن ليس هذا ما يعطيه الفرح. يأتيه الفرح عندما يكتشف أنّ ذاك المعلّم، الّذي يريد رؤيته، هو بدوره يحاول ذلك. وثمّة أكثر من ذلك: لا يريد رؤيته فحسب، بل أيضًا زيارته في بيته (لوقا ١٩، ٥).

يبحث يسوع عن زكّا بثلاث طرق، تتضمّنها الآية ٥.

قبل كلّ شيء ينظر إليه، وبالتّالي يوليه اعتبارًا، يُرحّب به من خلال نظرة خاصّة. لا يمرّ يسوع من جانبه دون أن يتوقّف مبديًا اهتمامًا بمن كان يعتبره الكثيرون شرّيرًا.

ثمّ يتحدّث معه. في آية لاحقة، يتحدّث عن زكّا جميع الحاضرين، ولكن ليس معه. لم يكن من السّهل التّحدّث معه، فهو رجل مهمّش. أمّا يسوع فإنّه يتوجّه إليه مباشرة، مُتغلّبًا على كلّ الحواجز. يوجّه كلامه إليه ويوضح أنّه يعرفه، ويدعوه بالاسم.

إذا كان هذا الإنسان خاطئًا في نظر النّاس (لوقا ١٩، ٧)، فبالنّسبة ليسوع هو زكًا، ابن إبراهيم (لوقا ١٩، ٩)، أيّ وريث لوعد يتحقّق بالنّعمة.

وأخيرًا يدخل يسوع إلى بيته، أيّ أنّه يشاركه حياته، ويظهر له مودّة حميمة، ويصبح صديقًا له.

في الواقع، بدون المرور بخبرة الشّعور بأنّ الله هو الّذي يبحث عنّا، فإنّ حياة الإيمان تنحصر في جهد فرديّ عقيم، يولد الحزن الّذي رأيناه لدى الرّجل الغنيّ، وبالتّالي يكون تخلّي الإنسان عن ثرواته الخاصّة مجرّد واجب أخلاقيّ قهريّ يرضخ له الإنسان على مضض كي يجد الرّاحة.

ليس الأمر كذلك بالنّسبة لزكّا، الّذي لم يكن يشعر “بالقهريّة الأخلاقيّة”.

يسوع لا يطلب منه التّوقّف عن السّرقة، وتوزيع خيراته على الفقراء؛ إنّ التّغيير في حياته هو عبارة عن رغبة، وحاجة ملحّة تهيمن على زكّا في نفس اللّحظة الّتي يشعر فيها بأنّه معروف ومنظور ومقدّر ومدعوّ وجدير بهبة حضور يسوع، الّذي يُقدّم له ذاته مجّانًا.

ولهذا يعطي زكّا بفرح والعطاء يولّد مزيدًا من الفرح.

هذه هي خبرة الفرح والألفة مع الرّبّ، من خلال كلمة خلاص، سوف تخلق في زكّا الرّغبة في تغيير حياته: “يا ربّ، ها إنّي أعطي الفقراء نصف أموالي، وإذا كنت ظلمت أحدًا شيئًا، أردّه عليه أربعة أضعاف”. فأجاب يسوع فيه: “اليوم حصل الخلاص لهذا البيت، فهو أيضًا ابن إبراهيم” (لوقا ١٩، ٨– ٩).”

Comments are closed.