عظة البطريرك بييرباتيستا

الأحد الثالث والثلاثين للزمن العادي – السنة ج

(لوقا ٢١، ٥–١٩)

13 تشرين الثاني 2022

على الرغم من أن المقطع الإنجيلي لهذا الأحد (لوقا٢١، ٥– ١٩) لا يأتي في رواية لوقا مباشرة بعد المقطع الخاص بالأحد الماضي (لوقا ٢٠، ٢٧– ٣٨)، فقد يكون من المفيد النظر إليهما جنباً إلى جنب.

نحن لا نزال في الهيكل، وقد انتهت النزاعات مع قادة الشعب، ومع الكتبة والصدوقيين.

في هذا الفصل الأخير، الذي يسبق رواية الآلام، يدعو يسوع تلاميذه إلى السهر، لأن الأوقات التي يتم الإعداد لها هي أوقات عصيبة.

والمناسبة التي سبّبت تأمل يسوع أتت من قِبل بعض الّذين يتوقفون للتحدث عن جمال الهيكل وعن حجارته البديعة وعن تحف النذور فيه (لوقا ٢١، ٥). حسنًا – يقول يسوع – كل هذا صحيح، ولكن الهيكل ليس أبديّاً؛ بل ستأتي أيام، لن يظل فيه شيء من هذا الجمال عمليًا (لوقا ٢١، ٦). إنّ الهيكل جميل، لكنه لن يستمر إلى الأبد.

استمعنا يوم الأحد الماضي، في مثَل المرأة التي كان لها سبعة أزواج مختلفين، إلى قصة حياة عقيمة. رغم كل المحاولات المسموح بها والتي تقترحها الشريعة، لم تكن المرأة قادرة على قهر الموت.

نرى هنا هيكلاً، مكانًا مقدسًا لا يستطيع، رغم كل جماله، تحمل صدمة الزمن، وبالتالي لا يمكن أن يكون حقًا مكانًا للخلاص.

ولكن بعد ذلك، أين يمكننا البحث عن الخلاص، وأين يمكننا إيجاد سند لحياتنا الشخصية في الأوقات الصعبة التي أعلنها المسيح؟

إنّ ردّ يسوع محيّر، ويقول بأن تحقق الملكوت لا يُعرف من كون الأمور تسير على ما يرام وتعمل جيداً، ومن أن النجاح متوفر … من كل هذه الأمور، مثل الحجارة الجميلة في الهيكل، لا يبقى أي شيء. وعلى العكس من ذلك، فإن وجود ملكوت الآب يُعرف بشكل لا يشوبه الخطأ من خلال علامة واحدة مؤكدة، هي حقيقة أنّ التلاميذ سيواجهون صعوبات واضطهادات.

سيكون من الطبيعي التفكير في عكس ذلك، والحكم على الملكوت وفقًا لمعايير النجاح البشرية.

عوضاً عن ذلك، يدعو يسوع تلاميذه إلى أن يتنبهوا من الوقوع في فخ النجاح. لذا يجب على أن يكونوا متيقّظين وألاّ يخدعوا أنفسهم: هناك حاجة إلى رؤية جديدة، شبيهة برؤية الرجل الأعمى الذي شُفى عندما التقى به يسوع عند أبواب أريحا (لوقا ١٨، ٣٥–٤٢).

إذا كانت النظرة مريضة، فستختلط علينا الأمور، ولا نرى الرب حيث هو حاضر، بل نراه حيث لا يوجد (لوقا ٢١، ٨) “إياكم أن يضلكم أحد! فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي فيقولون: أنا هو! قد حان الوقت! فلا تتبعوهم“.

فأين يلتقي التلاميذ بالربّ إذاً؟ في كل مكان يجتازون فيه الشدائد (لوقا ٢١، ١٢) “يبسط الناس أيديهم إليكم، ويضطهدونكم“. يجتازونها دون خوف، ودون أن يقلقوا من ضرورة الدفاع عن أنفسهم (لوقا ٢١، ١٣) “فيتاح لكم أن تؤدوا الشهادة“، مع الثقة في أن الآب يعتني حتى بأصغر تفاصيل حياتهم (لوقا ٢١، ١٨). “ولن تفقد شعرة من رؤوسكم“.

إنّ الاضطهاد ضروري بطريقة أو بأخرى، لأنه علامة على تلك العقلية الجديدة، التي لا يقرّ بها العالم على أنها خاصة به وبالتالي يرفضها. إنه ضروريّ، ولكنه ليس الكلمة الأخيرة، وليس كل شيء، لأنه في إطار الاضطهاد، بالتحديد، يمكن للمسيحيين أن يشهدوا لانتمائهم إلى ربهم: إنهم لا يُعرفون من علامات أخرى سوى من القدرة على اجتياز الشدائد دون خوف من الموت.

مع ذلك فليس لهم فضل في كل هذا. فالنجاح لا يتأتّى من قواهم ولا من قدراتهم ” فسأوتيكم أنا من الكلام والحكمة ما يعجز جميع خصومكم عن مقاومته أو الرد عليه“. (لوقا ٢١، ١٥– ٢١).

إنه هبة، يجب تقبلها ببساطة. وبسبب كونها هبة تحديداً، فإنها مضمونة وثابتة ومؤكدة، على عكس الحجارة الجميلة للهيكل، التي لا تصمد في وجه الزمن وعنف البشر.

ومن هنا يأتي الحديث عن وجوب السهر والترقب، وهذا لا يعني السعي بكافة الطرق إلى تجنب الألم والرفض والموت.

على العكس من ذلك، نظلّ مجبولين بالهشاشة والضعف، ولكن متحررين من هاجس الخوف والاضطرار إلى تخليص أنفسنا بأنفسنا، ووجوب عدم ارتكاب الأخطاء أبداً؛ سنتحرر من وثنية الأنا، ومن الاضطرار إلى الاعتناء بالمظهر، مثل حجارة الهيكل الجميلة.

سنتحرر من الظن بأن المعاناة هي طاقة مهدورة، وأن الضعف محبِط. سنتمكن، في نطاق بشريتنا الضعيفة، من الفهم كيف أن الرب يضمّنا إليه.

+ بييرباتيستا

Comments are closed.