عالم عظيم وإنسان تافه بقلم د. جلال زواد فاخوري

يقول السيد المسيح حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم. وكم عظيم هذا العالم وتافه إنسانه حيث لا يَفهم من الأمجاد إلا عظمة الألقاب والمناصب، إذ ينظر الإنسان إلى الحياة بقدر ما فيها من إفرازات ومنتجات المادة وانعكاساتها عليه.

إن الله الذي خلق الإنسان لا وجود له في الحسابات البشرية إلا عند القديسيين. أفلا يفهم المرء أنَّ الأمجاد الأرضية هي زائلة ولا قيمة لها؟ أفلا يفهم الإنسان أن الله قادر على منح أو حجب هذه الأمجاد متى أراد ؟ كم حقير الإنسان ونظرته الدونية؟ ولعّل أعظم الإكتشافات التي فضحت دونية الإنسان هي نظرته الأرضية لمجد زائل. ” اكنزوا لكم في السماء”، كنوزاً لأنها تفيدكم أكثر من هذه الأمجاد الزائلة. لقد بكى المعتمد بالله الأموي الأندلسي حين زال عنه مجد المُلك، فراحت هذه الحادثة مثلاً إلى يومنا هذا.
اليوم وفي المونديال القطري فقد بكى رونالدو البطل الرياضي الأكثر شهرة حين خسر البرتغال مجده الرياضي أمام المغرب، وانسحب ميسي البطل الرياضي الشهير حين هزمت الأرجنتين أمام السعودية، فَعَلَمَا يبكون؟ أليس على الأمجاد التي عاشوها والأموال التي فقدوها؟ أهي مأساة الإنسان بالحزن على الأمجاد الزائلة؟ أهي مأساة المرء أن يتعلّق دوماً في الحياة وما تقدمه من مادة؟ قد يكون ذلك، فهي طبيعة الإنسان الذي يسلّم نفسه للمادة ؟ كم ضعيف هذا الإنسان الذي لا يرجو في الحياة إلا المادة؟
إنّ البشرية تحزن وتسعد لأن الله يعطي ويكّف بلا حساب. فما هي الحياة إذا لم تكن سوى المادة؟ أين الإيمان والرجاء والمحبة؟ أفلا يعلم الإنسان أنّ الذي له الله له كل شيء؟ فكونوا مع الله يكون الله معكم، فكل فعل وحدث وشيء هو لمجد الله، حتى داوود لم يتمسك بمجده الأرضي ولا قارون ولنتذكر شعر المتنبي “أينَ الأكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى
كَنَزُوا الكُنُوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا”
إن أصل المفاسد هي المادة ومفرادتها ( يقول بطرس الرسول). كم تفاهة إنسان هذا العالم!

Comments are closed.