عزيزي الرب يسوع بقلم الشماس يوسف عرموش

منذ أكثر من ألفَي سنة ونيف، وُلدتَ في مذودٍ … وُلدت فقيرًا في مغارة بيت لحم، رافق حضورك العظيم وجود حالتَين متناقضتَين: الحالة الأولى حدوث هدوء عظيم عمَّ الكون بأسره، حتى بدا وكأنه الخلق العظيم الأول، وتحوّل المشهد إلى احتفال كوني عظيم حتى النجوم أبَت إلا أن تشير بسهمها إلى خالق وضابط الكل.
المجوس ممثلي جميع رؤساء وأصقاع الأرض ….. ولِمَا لا فأنت رئيس الرؤساء وملك الملوك.
الرعاة ممثلي علماء وقادة بيوت الله ….. كما أردتهم رعاةً يتبعون الخروف الضال.
الملائكة يُرنمون بأصوات التهليل ….. فالحضور هو حضور إلهي مهيب وعظيم يتكلل بليترجيا فصحية مبشّرة بآلامك وقيامتك.
مريم الأم الحنونة التي كانت تتأمل ملامحك فرحةً وحزينةً في نفس الوقت ….. فرحةً لولادتك أنت المخلص، وحزينةً لأنها موقنة لما ستؤول إليه حياتك من آلام.
يوسف الصابر الذي أحبك وأفاض ….. وعانى المشقات بتأمُّلٍ وتفانٍ.
هذا المشهد الكوني الخلاب، وكأني أرى فيه حدثًا فردوسيًا رائعًا. كان يُعكِّره قليلاً مشهد وحالة ثانية: فيها التنين العظيم، تنين رؤيا يوحنا “وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ. وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ.” (رؤ12: 3-4). يجرّ أذياله مهزومًا وهو يُحارب في معركةٍ خاسرةٍ أخيرة في حربه مع الإله الحق.
أرى هيرودوسًا ملك اليهودية صغيرًا، يهتز عرشه الزمني المستمد من قوة التنين والمنحدرة عنه. أراه يصب غضبه خوفًا على سلطته الزمنية ….. بقتل أطفال بيت لحم الأبرياء تصديقًا للنبوءة “صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ.” (مت 2: 18). وكأني أرى فيها التضحية الحقيقية الصغيرة التي أرادها الله من إبراهيم النبي والمراد فيها تقديم ابنه وحيده اسحق لله الحق ولم تتحقق بأمرِ الله.
هي الأُضحية الفصحية لدخول الشعب، شعبُ الله المختار إلى أرضه وميعاده ونصره.
هي الأُضحية الفصحية المهيئة لحضور الأُضحية الفصحية المسيحانية والحقيقية الكبرى.
هي المُهيأة: هي أُضحية يوحنا المعمدان السابق والمهيأ لحضور المسيح المنتظر، الذي اصطبغت دمائه بأرضه عربون محبةٍ للإله الحق. لكن؛ هذه اللوحة الممتزجة بالمشهدَين: المشهد الأول الجميل والمشهد الثاني الأليم، لم تُعكر ألوانها الداكنة ألوانها الفاقعة والمنتصرة للحقيقة. ولم يُعكر صفوها أيٌ من تلك الرتوش.
عزيزي الرب يسوع؛
أراك تولد اليوم من جديد ….. لا تولد في بلادنا حيث تجد نفسك مُهمَلاً مشردًا متروكًا متألمًا من جديد أنت الملك المنتصر. لا تولد في بلادنا حيث تجد نفسك مُجبرًا على كره إخوتك من الأديان الأخرى يهودًا ومسلمين ….. قد تجد نفسك مضطرًا للعيش فقيرًا مجددًا. لا تولد في بلادنا فقد تجد نفسك أمام هيرودسيين كُثُر، وقد تُضطر أن تتألم مرتين لوجود أضاحٍ أُخر كثيرة.
أطلب منك يا رب، ألا تُولَد في قلوب المنكسرين والضعفاء والمشردين والبسطاء فأنت حتمًا هناك. أطلب منك يا رب، أن تولَد في قلوب الأقوياء فحضورك الإلهي يُغير رقعة جغرافيتهم ويُغير تاريخهم إلى تاريخ حقيقي مُراده أنت وحدك. أطلب منك يا رب، أن تولَد في قلوب القادة الكنسيين ….. وتقلب موازينهم رأسًا على عقب كما حدث حين دخولك الهيكل.
أطلب منك يا رب، أن تُولَد في قلبي المهيأ لك حتى يتحوّل إلى المغارة المشعّة بنورك الوضاء، لتتحول هذه المغارة إلى أرض مثمرة ناشرة لبشارتك ومحبتك. ويتحوّل إلى قلب بطرس الذي نكرك وتمايز بمشهده عن مشهد يهوذا، الذي فضّل الانتحار هربًا من هول عظمة ما شاهده بتسليم معلمه وأكتب نهاية مفرحة كنهاية بطرس …..

ميلاد مجيد وعام سعيد أتمناه لكم
من القلب

Comments are closed.