أهم المحطات التي طبعت حياة البابا الفخري بندكتس السادس عشر
كتب مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورينلي مقالاً سلط فيه الضوء على أهم المراحل التي طبعت حياة البابا الراحل بندكتس السادس عشر الذي دعا الناس إلى الارتداد والتوبة والتواضع، وقدم صورة عن كنيسة متحررة من الامتيازات المادية والسياسية كي تكون فعلاً منفتحة على العالم.
كتب تورنيلي أن وفاة البابا راتزينغر حصلت بعد مضي عشر سنوات تقريباً على استقالته التي أعلنها بشكل مفاجئ في الحادي عشر من شباط فبراير ٢٠١٣، عندما قرأ رسالة باللاتينية على الكرادلة المندهشين. وكان قد أعلن في حديث صحفي قبل ثلاث سنوات أن البابا وعندما يتعذر عليه القيام بواجبه لأسباب جسدية، ذهنية أو روحية، يحق له أن يفكر بالاستقالة.
أبصر يوزيف راتزنغر النور في العام ١٩٢٧، وُلد وترعرع في كنف عائلة كاثوليكية بسيطة في بافاريا. سيم كاهنا مع شقيقه غيورغ عام ١٩٥١، وحاز على شهادة دكتوراه في اللاهوت بعد سنتين. مع موته رحل آخر حبر أعظم شارك مباشرة في أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وكان اللاهوتي الشاب راتزنغر يعتبر أنه يتعين على النصوص اللاهوتية أن تقدم أجوبة على القضايا الأكثر إلحاحا، بعيدا عن الإدانة ومن خلال استخدام لغة الأمومة.
في العام ١٩٧٧ عينه البابا بولس السادس أسقفاً على أبرشية ميونخ، وبعد أسابيع قليله منحه القبعة الكاردينالية. في العام ١٩٨١ عينه يوحنا بولس الثاني على رأس مجمع عقيدة الإيمان، وكانت تلك السنوات التي تصدى فيها المجمع للاهوت التحرير الذي اعتمد الماركسية، ووقف المجمع أيضا في وجه العديد من القضايا الخلقية الناشئة حديثا. وربما العمل الأبرز الذي قام به هو إصدار كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي أبصر النور عام ١٩٩٢ بعد عمل استمر لست سنوات.
بعد وفاة البابا فيتيوا عام ٢٠٠٥ انتخب الكونكلاف الكاردينال راتزينغر خلفا له، وقال عن نفسه في تلك الليلة إنه “عامل متواضع في كرمة الرب”، وأكد أنه يريد الإصغاء، مع كل الكنيسة، إلى كلمة الرب ومشيئته. وذكّر تورنيلي هنا بالزيارة التاريخية التي قام بها بندكتس السادس عشر إلى معتقل أوشفيتز في أيار مايو ٢٠٠٦، عندما تحدث عن أهمية الوقوف بصمتٍ، هذا الصمت الذي يشكل صرخة داخلية نحو الله. في السنة نفسها وقع سجال كبير حول كلمات ألقاها راتزينغر في ريغينسبورغ مقتبساً من أحد الكتاب بشأن نبي الإسلام، ما ولد موجة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي. خلال حبريته قام بزيارات عدة على غرار سلفه، زيارات لم تخل من الصعوبات، وقد واجه العلمنة السائدة في المجتمعات التي فقدت قيمها المسيحية، وواجه معارضة له من داخل الكنيسة. احتفل بعيد ميلاده الثمانين مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في البيت الأبيض، وبعد أيام قليلة صلى عند ما يُعرف بالـ Ground Zero، معانقاً عائلات ضحايا اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر.
حملت رسالته العامة الأولى عنوان “الله محبة”، ثم ألف كتاباً بعنوان “يسوع الناصري”، الذي صدر بثلاثة مجلدات. في العام ٢٠٠٩ قرر أن يرفع الحرم الكنسي الصادر بحق أربعة أساقفة نالوا السيامة غير المشروعة من يد المطران مارسيل لوفيفر، ومن بينهم المطران ريتشارد ويليامسون، الذي يُنكر المحرقة النازية، وقد سبب ذلك موجة من الاحتجاجات في الأوساط اليهودية.
السنوات الأخيرة من حبريته تميزت بفضائح التعديات الجنسية على القاصرين من قبل رجال الدين الكاثوليك. وقد تبنى إجراءات صارمة في التعامل مع هذه الآفة، وطلب من الكوريا والأساقفة تغييراً في الذهنية، وقال إن أكبر اضطهاد تواجهه الكنيسة ليس من صنع أعدائها الخارجيين إنما هو نتيجة للخطية الموجودة في داخلها. ومن بين الإصلاحات التي تبناها إصلاح المنظومة المالية لمكافحة تبييض الأموال. في ختام مقالته الافتتاحية ذكر تورنيلي بآخر زيارة قام بها بندكتس السادس عشر إلى ألمانيا في أيلول سبتمبر ٢٠١١، حيث دعا الكنيسة إلى الابتعاد عن الأمور الدنيوية، كي تقدم شهادتها الإرسالية بصورة أكثر وضوحاً، كما يعلمنا التاريخ، وأكد أنه عندما تتخلى الكنيسة عن الأعباء والامتيازات المادية والسياسية، يمكنها أن تكرس نفسها لخدمة العالم كله، وأن تكون فعلاً منفتحة على العالم.
Comments are closed.