أفريقيا الجريحة تنتظر البابا ليضمد جراحها
عبر السفير البابوي في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن قلقه البالغ إزاء المجازر المرتكبة بحق الجماعات المسيحية، وكان آخرَها الاعتداءُ الذي استهدف كنيسة خمسينية يوم الأحد. في غضون ذلك تستمر التحضيرات لاستقبال البابا فرنسيس والذي سيلتقي في الأول من شباط فبراير بضحايا أعمال العنف، ويتوقع المنظمون أن يشهد القداس الذي سيحتفل به الحبر الأعظم في كينشاسا مشاركة حوالي مليوني مؤمن.
الجماعة التي تُطلق على نفسها اسم “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية وسط أفريقيا” تبنت الانفجار الذي وقع يوم الأحد الفائت في كنيسة خمسينية بمحافظة شمال كيفو، مسفراً عن مصرع سبعة عشر شخصاً، وسقوط أكثر من أربعين جريحا فيما هدد التنظيم بشن المزيد من الهجمات المماثلة. البابا فرنسيس سيتوجه إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في الحادي والثلاثين من الجاري، في زيارة رسولية، الأولى هذا العام، ستقوده أيضا إلى جمهورية جنوب السودان.
مع اقتراب موعد الزيارة ووسط استمرار أعمال العنف أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع المطران إتوريه باليستريرو، السفير البابوي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي حاول أن يقدم صورة عن السياق الاجتماعي والسياسي في المنطقة، متطرقا أيضا إلى الاستعدادات الجارية لاستقبال البابا فرنسيس.
استهل الدبلوماسي الفاتيكاني حديثه مشيراً إلى أن الاعتداء الإرهابي الأخير يشكل مؤشراً مقلقاً ويعكس تطور الأوضاع الميدانية، واعتبر أن لقاء البابا فرنسيس المرتقب مع ضحايا أعمال العنف في شرق البلاد يكتسب أهمية كبرى. ولفت إلى أن يوم الأحد الفائت شهد اعتداءين: الأول استهدف الكنيسة الخمسينية على مقربة من الحدود مع أوغندا، وقد أظهرت الصور أشلاء الضحايا والدمار، فيما وقع الاعتداء الثاني في سوق في أحد الأحياء التي تُعتبر آمنة في مدينة بيني.
اعتبر سيادته في هذا السياق أن السلام ما يزال بعيد المنال في شرق البلاد، كما أن الوضع في محافظة شمال كيفو ازداد سوءاً خلال السنة الماضية. وأشار إلى وجود صلة بين المجموعة المعروفة باسم “تحالف القوات الديمقراطية” وتنظيم الدولة الإسلامية، خصوصا إذا ما نظرنا إلى أوجه الشبه الكبير بين الاعتداءات التي تشنها الجماعتان. وقال إن هذا الأمر يثير مخاوف أمنية كبيرة في المنطقة، ويولّد قلقاً على مصير السكان المحليين الذين يقعون ضحية المجازر.
لم تخل كلمات السفير البابوي من الحديث عن الصراع الدائر في منطقة غوما، والذي تسبب منذ شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي بتهجير ما لا يقل عن خمسمائة ألف شخص. وقال إن الوضع في المنطقة – التي قُتل فيها السفير الإيطالي لوكا أتاناسيو في شباط فبراير ٢٠٢١ – مأساوي للغاية حيث يوجد أشخاص يموتون في الطرقات، وحيث تتفشى الأمراض والأوبئة، مشيرا إلى ضرورة إقامة مخيمات ومراكز تستضيف المهجرين وتقدم لهم الرعاية المطلوبة. وأوضح في هذا السياق أن الكنيسة المحلية تبذل جهوداً كبيرة، وأن الكهنة والرهبات لم يتركوا المنطقة وهم يمدون يد المساعدة للسكان المحتاجين، من خلال جمع وتوزيع الألبسة والأدوية والمواد الغذائية، لافتا إلى أن ست رعايا من رعايا الأبرشية الاثنتين والثلاثين خاضعة حالياً لسيطرة المتمردين.
رداً على سؤال بشأن التجاوب مسكونياً مع الأوضاع الراهنة، قال سيادته إن ثمة تعاوناً كبيراً قائماً بين مختلف الكنائس، لافتا إلى أن هجوم الأحد وقع في معبد تابع لما يُعرف بـ”كنيسة المسيح في الكونغو”، وهي منظمة تضم عدداً من الكنائس البروتستنتية. وأكد أن جميع الكنائس المسيحية في البلاد تتفق حول أساس المشكلة ألا وهي غنى المنطقة الشرقية بالموارد الطبيعية. وأضاف أن هذا التعاون المسكوني قائم أيضا على صعيد التحضيرات لزيارة الحبر الأعظم لافتا إلى أن الدعوات وُجهت إلى العديد من المسيحيين غير الكاثوليك للمشاركة في اللقاءات مع البابا. وقال إن مختلف الكنائس المسيحية المحلية تسعى إلى مرافقة العملية الديمقراطية في البلاد.
في سياق حديثه عن الاستعدادات الجارية لاستقبال البابا فرنسيس كشف المطران باليستريرو أنه كان من المرتقب أن يزور البابا منطقة غوما، بيد أن هذا الأمر بات مستحيلاً اليوم، لأن زيارة من هذا النوع تتطلب تدابير وإجراءات أمنية عملاقة. وأشار إلى أنه في إطار الاستعدادات للزيارة عقد لقاءات عدة مع رئيس الوزراء والمسؤولين عن الكنيسة المحلية.
وختم السفير البابوي حديثه لموقع فاتيكان نيوز مؤكدا أن الهدف من زيارة البابا فرنسيس إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية يتمثل في تحفيز الإيمان والفرح لدى الأشخاص، وأوضح أن السكان ينتظرون أن يسمعوا كلمة تعزية من البابا على أمل أن تساهم الزيارة في تضميد جراح ما تزال تنزف لغاية اليوم، خصوصا في المناطق الشرقية.
Comments are closed.