العون الإنساني في زمن الإحتفال باليوم العالمي للأخوة الإنسانية بقلم القس سامر عازر
عندما تنمنمك يدك لا تستطع إلا أن تمسك بقلمك وتُخرج ما يدور في فكرك وقلبك.
إن منظر الكارثة الإنسانية الضخمة التي توّلدت جراء الزلزال المدر الذي ضرب تركيا وأثر على دور الجوار ومنها الشمال السوري، حيث سقط المئات من القتلى والجرحى والإعداد بتزايد مستمر، وشرد المئات من منازلهم حتى باتوا على قارعة الطريق يلتحفون السماء في فصل قارس وفي أجواء موجة برد غير عادية تضرب بلادنا هذه الأيام من شدة برودتها وغزارة أمطارها وسرعة رياحها التي تناهز التسعين كيلو متر في الساعة.
وقد أُعلنت هذه المناطق بالمناطق المنكوبة، وهي منكوبة حقاً لما شهدته من لحظات مروّعة عاشها السكان ووثَّقها البعض مما كتب لها النجاة من موت محتم جراء إنهيار مبان شاهقة فوق رؤؤس ساكنيها وتصدُّع شوارع تكاد تبتلع كل من فوقها. ومن كُتب له النجاة سيعيش مأساتين حقيقيتين، الأولى هي المناظر المرعبة والمفزعة التي عايشها وفقد أعزاء تحت أنقاض المباني المنهارة، والثانية هي التشّرد والضياع جراء خسارة كل شيء واللجوء إلى الشارع الذي يزداد قسوة جراء الأحوال الجوية السائدة التي تعصف بمنقطتنا.
ووسط هذه الأجواء تتداعى الآن الكثير من المؤسسات العالمية المعنية بمد يد العون الإنساني للمتضررين لإيوائهم وتقديم الخدمات الأساسية التي يحتاجونها من مأكل ومشرب وملبس وتضميد الجراح والمواساة جراء هكذا كارثة إنسانية بهذا الحجم وهذه الضخامة. إن تداعي هذه المؤسسات لهذه الخدمة الإنسانية تتزامن مع إحتفالات العالم بيوم الأخوة الإنسانية في الرابع من شباط من كل عمان والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة جراء توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب في العام 2019 في أبو ظبي. فالإنسانية تجمعنا وتوحدنا وهي في قلب أدياننا السماوية. فما قيمة أدياننا إن لم تعلّي فينا قيم الإنسانية والشعور الإنساني النبيل والرأفة ببني البشر بغض النظر على لونهم مأو دينيهم أو عرقهم أو معتقدهم؟
أول من أمس شاركت في ندوة مميزة بدعوة من المعهد الملكي للدراسات الدينية بعنوان “الخير والأخوّة الإنسانية”، وقد أجمع المتحدثان قدس الأب جوزيف سويد والدكتور عبد الرحمن الكيلاني على أن الخيرَ أو عمل الإحسان هو في صلب العبادة وفي صلب العقيدتين الإسلامية والمسيحية، فكما أنَّ الأخوة الدينية تجمعنا أسوة بالأخوّة الوطنية فهكذا هي الأخوة الإنسانية فهي أوسع وأشمل، لأننا خلقنا من ربّ واحد ونعيش تحت سقف واحد وهو قبة السماء الزرقاء، وإخوَتُنا هم كل من وضعهم الله ضمن دائرة حياتنا لنخدمهم ونعتني بهم، فدعوتنا المقدسة هي “أن نعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان”. فالإخوَّة في الدين هي ليست بديلا عن الإخوّة في الإنسانية، وكرَّم الله وجه الإمام علي بقوله ” الناس صنوان، أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”. وكما جاء على لسان السيد المسيح بأن القريب هو يصنع مع الإنسان الرحمة، ” فمن يقدر أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطيئة له”، والخير هو لأهل الخير الذين يحتاجون عمل الخير ونحن جميعاً مدعوون لنكون أصحاب عمل الخير.
والخير قيمة سماوية لأن الله نفسه هو إله الخير وكل الخير، وكما جاء في خطاب صاحبة الجلالة رانيا العبدالله في حفل الإفطار الصباحي في واشنطن بأن الدين أكثر من مجرد من نكون بقدر ماذا نفعل وكيف نفعل، وبأن الدين ليس مأوى للإختباء بل منطلقاً للحياة.
فلكل المؤسسات الإنسانية العالمية كل التقدير والإمتنان، كما ولكل المبادرات والمساعي الإنسانية الخيّرة. فما أحرى بلادنا العربية أن تزخر بالعديد من المؤسسات الإنسانية!
Comments are closed.