مسيرة الصوم الكبير وبرية يوحنا المعمدان بقلم القس سامر عازر

صحيح أنَّ مسيرة الصوم الكبير تسبق عيد القيامة المجيدة، وهو مسيرة حج روحي فردي وجماعي للوصول إلى أفراح القيامة المجيدة ومفهوم الحياة الجديدة التي علينا أن نحياها كمعمَّدين على اسم الثالوث الأقدس إلا أن معمودية يسوع في بيت عنيا عبر الأردن في برية يوحنا المعمدان وتجربته في البرية كما جاء في إنجيل متى الأصحاح الرابع كانت في بداية إنطلاقة خدمته العلنية.

فمنذ اللحظة التي إعتمد فيها المسيح من يوحنا المعمدان مُؤيِّدا رسالتَه ودعوتَه بأنَّ ملكوت الله قريب وأنَّ التوبة هي الطريق للإعداد لإستقبال هذا الملكوت، بدأ الشيطان يحاربه ليحيده عن دربه وعن مسيرته التي اختار طوعاً السير فيها بإرادة وقبول تامين.

وهذا هو حال الشيطان حالما يبدأ الإنسان الإقتراب من الله إذ يعمل لثنيه عن السير في هذا الدرب ليعثره لكي لا يكمل الطريق، فيستخدمَ كل طرق الحيلة والإغراء والإغواء لكي لا يشعر الإنسان في قلبه بحاجته إلى كلمة الله الحياة كغذاء روحي ضروري لحياته تماماً كما هي حاجة أجسادنا إلى الخبز، فبدون الخبز أي بدون ما يغذي أجسادنا لا نقدر على الحياة وبالتالي يكون مصيرنا الموت. هكذا هي حياة الإنسان الروحية، فبدون التغذي على كلمة الله الحياة الباقية إلى الإبد لا يقدر الإنسان أن يحيا حياة الروح بل تموت حياة الروح فيه وكذلك كل القيم والمفاهيم الروحية، ويعيش فقط حياة الجسد وشهوة الجسد وكل ما يمّت للحياة المعادية لحياة الروح والروحانيات.

من جانب آخر يحاول الشيطان أنْ يغرِّرُنا بأنفسنا حتى نشعر بإنتفاخنا وكبريائنا وقوتنا وجبروتنا إذ يريدنا أن نعتد بأنفسنا وننكر الله، فهو يعرف تمام المعرفة أن خطيئة الإنسان الأساسية هي التمرّد على الله وعصيان وصاياه والإٍستكبار عليه، “والله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة”، لذلك يعمل على بثّ فينا هذه الروح لنتحدى قوى الطبيعة التي أوجدها الله ولنتحدى فكر الله ومشيئته، وغايته هي أن يحيدنا عن درب الإيمان الذي دعينا له، وكثيراً ما ينجح في مسعاه هذا.

وأخطر ما يعترض حياتنا هو إغراء المادة وبريقها لأنه أمامها تضعف النفوس ويسيل اللعاب ويبيع الإنسان حتى ذاته في سبيل الحصول عليها وإمتلاكها حتى لو كان الثمن أن يخرّ ويسجد للشيطان. فنفس الإنسان غالباً ما تضعف أمام مادة هذا العالم لأنَّ نفسَ الإنسان لا تشبع أبدا بل دائماً تريد المزيد من المال والثروة وأمجاد العالم حتى ولو كان الثمن عبادة الشيطان.

فمسيرة صومنا هي أشبه ما تكون إختبار حياة البرية القاسية التي نجتازها في حياة الإيمان، لنؤكد أنَّ خبزنا الحقيقي هو كلمة الله، وأن حياتنا هي خضوع كامل لإرادته، وأنَّ شبعَنا الحقيقي هو شبع الروح لا شبع الجسد.

Comments are closed.