“الإرثُ ملكُ الإنسَانية”بقلم القس سامر عازر
من أقول الراحل العظيم جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه عن الموقع التاريخي والأصيل (المغطس) لعماد السيد المسيح عبارة ” الإرث ملك الإنسانية”.
وهذه العبارة تحمل بُعداً إنسانيا عالمياً يقوم به الإردن إيماناً منه بأنَّ كنوزه الأثرية والتاريخية والتراثية والبيئية والطبيعية والدينية هي ملكٌ للبشرية جمعاء، وهذا إنطلاقٌ من رسالة الأردن العربي الهاشمي الذي يَبنى جسوراً مع العالم ومع الإنسانية جمعاء، ويصدِّرُ رسائلَ المحبة والسلام والوئام الديني، ويدعو العالم لزيارة أرضه المقدسة الزاخرة بعبق القداسة والتاريخ والحضارة، والتي تروي قصة المكان ومرور حضارات وشعوب كثيرة من بلادنا كاشفة أهمية المكان وإستراتيجيته وكنوزة التي تملئ جنباته من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. علاوة على ذلك فإن أرضه المباركة تفوحُ بعبق القداسة والمحبَّة والأخوَّةِ التي تجمع مسلميها ومسيحييها تحت مظلة القانون وسيادته بجهود القيادة الهاشمية القادرة أن تجمع بين الأصالة و الحداثة، بين التراث والتطور، بين إرث الآباء والإجداد وطموح الأبناء والأحفاد.
عودة إلى عبارة ” الإرث ملك الإنسانية”، فهي لوحة فسيفسائية خلاّبة صنعتها أيادٍ أردنية ماهرة قادرة أن تحيي هذا الفن الجميل والراقي وتسمو به إلى إبداعات وإنجازات مميزة قادرة أن تجعل من الأردن أكبر لوحة فسيفسائية لما تحويه جنباته من أرضيات فسيفسائية ضخمة ولا سيما في ميفعة/أم الرصاص، ناهيك عن خارطة الأراضي المقدسة العائدة للقرن السادس الميلادي والتي تحتوي على مائة وخمسين موقعاً ورد ذكرهم في صفحات الكتاب المقدس. ويعود الفضل في إكتشافها إلى عالم آثار قادم من القدس عام 1897، حيث كان لهذه الخارطة الفضل الكبير في الدلالة على موقع المغطس التاريخي للسيد المسيح على الضفة الشرقية لنهر الأردن المقدس بقرب تل مار إلياس. وبلا أدنى شك فإنَّ جهود صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد كبير مشتشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية ورئيس مجلس أمناء هيئة موقع المغطس، وعالم الآثار الراحل طيب الذكر الأب ميشيل بيتشريلو الذي يرقد بسلام منذ العام 2008 على سفاح جبل نيبو، قد كشفت النقاب عن هذا الإرث الإنساني الديني الهام. وقد شكل هذا الإكتشاف ثورة جديدة في عالم الآثار والتوصل إلى مكتشفات جديدة مدعّمة بالكتاب المقدس وبأقول الحجاج والرحالة والمكتشفات الأثرية الجديدة، حيث ساهمت خارطة مادباً أيضاً إلى إكتشاف كهف النبي لوط في غور الصافي حديثاً.
ولِمَا لعبارة ” الإرث ملك الإنسانية” من أهمية بالغة فقد وُضعت في مكان عماد السيد المسيح عند إلتقاء وادي الخرار بنهر الأردن حيث إعتمد السيد المسيح من يوحنا المعدان. وهناك شيِّد في المكان خمس كنائس في حقب مختلفة ومنها في العصر الإسلامي مما يعكس حالة الوئام الديني الذي يستمر إلى يومنا هذا. فهذا الموقع التراثي الديني الهام يزخر كباقي المواقع الدينية الإٍسلامية والمسيحية ولا سيما في القدس الشريف بالرعاية الملكية السامية، ليبقى إرثاً إنسانياً دينياً عالمياً، ويفتح آفاقاً خلاّقة في الحوار الديني والحج المسيحي إلى ثالث أقدس موقع بالإضافة إلى كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس.
فما تهتم به العائلة الهاشمية وعلى رأسهم عميد آل البيت في هذا المكان المقدّس هو الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والديني كمُلكٍ للإنسانية جمعاء، وبناء إرث وثقافة من الوئام الديني العالمي، وإبراز أصالة المكان بأنَّه الموقع التاريخي والحقيقي لعماد السيد المسيح ( المغطس)، إضافة إلى الحفاظ على برية يوحنا المعمدان تماماً كما رآها السيد المسيح ويوحنا نفسيهما.
ونال الأردن الشرف الكبير بجهود دائرة الآثار العامة وإدارة موقع المغطس أنْ أُدرج موقع المغطس في العام 2015 على قائمة التراث العالمي مما أصبح لدينا الآن في الأردن ستة أماكن مدرجة على قائمة التراث العالمي.
Comments are closed.