الأب نبيل حدّاد يكتب يوسف الصّدّيق


من القليل الذي نعرفه عن القديس يوسف خطّيب القديسة العذراء مريم، الذي يُعيد له في العشرين من أذار، نرى كأنّ كل فصل من حياته يمثلّ أزمة.


” لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّ يسوع مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. إزاء هذا الموقف، قرر أن يطلّقها، لكنّه وهو الرجل البار لم يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، “أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا”.

وفِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ يظهَرَ لَهُ فِي الحُلْمٍ، ليشرح له هذا الحبل الغريب العسر القبول. عندئذ فهم يوسف أن ما يحدث هو في سياق عناية الله. ففعل، لَمَّا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْم، كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ إلى بيته.


بعد حدث الميلاد العجائبي، اكتشف يوسف أن الطفل في خطر ” فمَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِه فِي الحُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصـرَ وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ.

لأَنَّ هيرودس مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». إنّها المهمة الجديدة أن يقوم بسفرٍ محفوفٍ بالمخاطر إلى بلد مجهول، ويأخذ الأم والطفل.

إنها الرحلة الاضطرارية للانتقال بعيدا عن خطر يهدّد حياة الطفل، وما يعنيه هذا الانتقال من الكثير من القلق. فانصاع يوسف لأن الله أمره، وَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ.


في فصل آخر، وعندما صَعِدُت العائلة إِلَى أُورُشَلِيمَ كعَادَةِ عِيدِ الفصح، وَبَعْدَ أن أَكْمَلُوا أَيَّامَ العيد بَقِيَ الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا، نسمع عن توجّع يوسف وهو يبحث عن ابن مفقود، كَانَتْ له اثْنَتَا عَشـرَةَ سَنَةً.

“لَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ” وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَ ذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!». ومرّة أخرى يُنحّي يوسف الواثق بمقاصد الله مشاعره الإنسانية، ويأخذ الطفل بهدوء ويعودون جميعاً إلى المنزل.


من هذا القليل الذي نعرفه عن يوسف ومع كل ما مرّ به من اختبارات الحزن والخوف حتى الموت، وذلك القلق الوالديّ، لكنّه كان، في كلّ مرة، يقرأ كلّ حدثٍ على أنه واحدٌ من فصول تدبير إلهيّ وليس تدبيرا بشريّا.

إنه سلوك الطائعين بحبّ.

Comments are closed.