البطريرك الراعي: نسأل الله بشفاعة القديس يوسف أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف
قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد “في هذه الأيام، فيما كنيسة المسيح تعيش ظروفًا صعبة وخطرة في لبنان وبلدان الشرق الأوسط سياسيا وأمنيا واجتماعيا وسلاميا؛ الأمر الذي يقلص وجودها، ويضعف فاعليتها، فتُحرم المنطقة من حضارة الإنجيل، ومن الخميرة المسيحية الصالحة في مجتمعها.
وفيما هذه الظروف تؤثر في العمق على حياة العائلة المسيحية كمدرسة طبيعية للقيم الأخلاقية والإنسانية، وكخلية أساسية للأوطان؛ فإنّا نكرّس اليوم لله بشفاعة القديس يوسف: كنيسة لبنان، وكنائس الشرق الأوسط، والعائلة المسيحية، بل والعائلة البشرية، فنصلّي في هذا التكريس إلى القديس يوسف لكي يحمي الكنائس والعائلات من الأخطار المحدقة بها، ويدعمها في رسالتها بنشر إنجيل الخلاص في كل بيئة ومجتمع”.
وأشار غبطته إلى أن “القديس يوسف نموذج للحوار مع الله والناس. وهذا مطلوب من كل إنسان، وعلى الأخص من كل مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. أساس الحوار هو الإصغاء أولًا لـما يقوله الله، علمًا أن الله يكلّمنا بشكل دائم بشخص المسيح، بكلام الإنجيل، بتعليم الكنيسة، بالإخوة الفقراء والمعوزين، بأحداث الحياة حلوها ومرّها، بشخص خدمة الكهنوت والمكرسين، وبصوت الضمير. إن كلام الله “نور وحياة”، بدونهما تخبُّط في الظلمة، وشلل العقل عن الحقيقة، والإرادة عن الخير، والقلب عن الحب والمشاعر والإنسانية. الحوار مع الناس يتأسس هو أيضًا على الإصغاء. نسمعهم بما يقولون، ويتألّمون، ويتوقون. ونسمعهم عندما نسبقهم إلى تلبية مشاعرهم وحاجاتهم قبل أن يتكلموا ويتظاهروا وينتفضوا. فالمسؤول هو الذي يصغي ويبتكر ويميز حاجات الذين هم في دائرة مسؤوليته”.
وأضاف البطريرك الراعي “لا تستطيع الجماعة السياسية ممارسة السياسة بمعزل عن الحوار الصريح والمتجرد، بالإصغاء المتبادل وتمييز القرار الواجب اتخاذه، من دون فرض الرأي عنوة، ومن دون حسابات مخفية، وبمعزل عن السعي الدؤوب إلى توفير الخير العام، الذي فيه تجد معناها ومبرر وجودها، والذي يشكل الأساس في حقها بالوجود. يقتضي الخير العام توفير مجمل شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تمكّن وتسهّل لجميع المواطنين والعائلات والجمعيات البلوغ إلى كمال حاجاتهم” (الدستور الرعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 74). في عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية والأخلاقية. وهذا هو السبب الأساس لتعثّر بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبنتيجة هذا التعطيل شلل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبّب بقتلهم وموتهم جوعًا ومرضًا وانتحارًا. إذا سمع المسؤولون صوت الله عبر كلامه، لوجدوا الباب إلى الحل. فكلام الله يحرر ويوحّد. وأي كلام آخر آت من المصالح الشخصية والفئوية والمذهبية، يأسر في مواقف متحجرة، وبالتالي يفرّق ويباعد ويعطّل سير الحياة العامة. فلا ينسيّن المسؤولون السياسيون أن العمل السياسي هو خدمة الانسان، بموجب تصميم الله الذي أراد ان يؤلف من الرجال والنساء عائلة بشرية واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوّة فيما بينهم، وبروح البنوّة للخالق الواحد. ما يجعل كل الاشخاص بحاجة الواحد الى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسية تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم الى انشاء جمعيات ومنظمات عامة وخاصة، ووضع نظام اجتماعي يضمن خير كل شخص، إذ يتأسس على الحقيقة، ويُحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري”.
وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي” نسأل الله بشفاعة القديس يوسف، شفيع العائلة البشرية، أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه، والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف، فنستحق أن نرفع إليه آيات الشكر والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.
Comments are closed.