هلْ تلامسُ خطاباتُنا ومواعظُنا واقعَ الناسِ وأحوالِهم؟ بقلم القس سامر عازر

ليس المهم أنْ يمتلكَ المرء موهبة الكلام مع أن موهبة الكلام ضرورية جداً للتعبير عن واقع الأشياء ومسمَّياتها، فليس أجمل من الفصاحة والبلاغة، ولكن كثيرون قد يجيدون استخدام الكلامات المنمّقة والجميلة والموزونة والقوية من غير معنى أو مضمون جوهري، فيفتدون إلى مخاطبة واقع الناس وأحوالهم وحاجاتهم.

فالخطابة والموعظة تهدف بالدرجة الأساسية إلى إيصال الفكرة والمعلومة الصحيحة بطريقة سلسلة وسهلة إلى المستعمين بشكل يلامس واقع حياتهم وأحوالهم.

فهناك الكثير من المفاهيم الفلسفية والفكرية واللاهوتية والدينية العظيمة، ولكن إن لم تتجسد هذه المفاهيم في مخاطبة واقع الناس وأحوالهم فلن تعني لهم شيئاً فتكون كمن يبذر زرعه على الصخر فسرعان ما يجف، وتبقى بعيدة عنهم، وعن حياتهم لأنها لا تخاطب آلامهم ومخاوفهم وتطلعاتهم. وحاجة الناس اليوم أكثر ما تكون إلى من يخاطبهم ويتكلم معهم ملامساً آمالهم وهموهم ومخاوفهم وطموحاتهم، فيجعل من المفاهيم الفلسفية والفكرية واللاهوتية والدينية معنى لحياتهم، يساعدهم في تلمّس طريقهم والسير قدماً في مضمار الحياة رغم الكبوات والسقطات والتحديات والمصائب التي ألمّت بهم.

لذلك أهم جزء من الخطابة والموعظة هو الجزء الذي يتعلق بالتطبيق العملي الذي يستفيد منه المستمع، فيرى في ذلك معنى لحياته ولواقعه، ويستقى منه نوراً وقوة روحية وعزيمة للتفكير من جديد خارج الصندوق. فكثيراً ما نصاب بالعمى والطرش، فلا نقدر أن نرى مع أننا ننظر بأعيننا جيداً، ولا نقدر أن نستوعب ونفهم مع أننا نقدر أن نسمع بآذاننا، فينطبق فينا القول القائل ” لهم عيون لا يرون وآذان ولا يسمعون”، وما نحتاج إليه حقاً هو إلى من يساعدنا إلى أن يفتح عيوننا ويزيل الغشاوة عنها لنرى حقيقة الأشياء، وأن يفتح أذاننا لنقدر أن نسمع صوت الحق الذي يعلوا على صوت الضجيج والأصوات النشاز التي تحيط بنا.

فمخاطبة واقع حال الناس يبقى أمرا ضروريا للغاية وهو ما يرسخ كل تلك المفاهيم الرائعة الفلسفية والفكرية واللاهوتية والدينية.

وهذا ما يدعو المؤسسات الفلسفية والفكرية واللاهوتية والدينية أن تبحث في واقع حال الناس ومعاناتهم لمساعدتهم وتقديم العون لهم بلغة مفهومة تلامس واقع حياتهم، حتى لا تصبحَ بدورها كالنحاس الذي يطّن أو الصنج الذي يرّن، فالناس تحتاج إلى رعاية وإرشاد وشحذ الهمم ورفع المعنويات، فقوة الكلمة أمضى من حد السيف وقادرة أنْ تَعصِب وتَشفي وتعزّي وتَبني وتبعث الروح المعنوية وتشحذ الهمم وتنهض الناس من كبوتها لتناضل من أجل حياة كريمة تتحلى بأدنى مقومات الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة.

فأحسنكم للناس أكثركم نفعاً!

Comments are closed.