المسيح يغسل أرجل التلاميذ ومريم أخت لعازر تمسح رجلي المسيح بالطيب غالي الثمن بقلم القس سامر عازر
تتجلّى عظمة السيد المسيح في خدمته العلنية بين الجموع التي كانت كرعية لا راعٍ لها، فأشفق عليها وتحنن عليها وشفى الكثيرين من أمراضهم الجسدية، وكثيرون نالوا نعمة الشفاء الروحي من عبودية الخطية والشّر والفساد، فحظي كثيرون من المسيح على النعمتين معاً: نعمة الشفاء الجسدي ونعمة الشفاء الروحي.
فحاجة الروح لا تقل أهمية عن حاجة الجسد، فكلاهما ضروريان لحياة الإنسان السليمة لينعم بحياة مجيدة يقدرُ من خلالها أن يؤدي رسالته في الحياة التي وضعها الله في ، فليس من إنسان مخلوق من غير رسالة أو من غير هدف، وقد وضع الله مسؤوليات كبيرة بنعمته لدى البعض لتكون سبب بركة للآخرين، فللبعض أعطى وزنة وللبعض وزنتين وللبعض خمس وزنات. والأهم أن لكل واحد هناك وزنة منحها له الخالق ليتاجر بها وسيحاسب عليها. فمهما كانت تلك الوزنة فهي وديعة وأمانة، فكيف إذا كانت الوديعة كبيرة وتتعلق بحياة الناس ومصالحهم ومستقبلهم؟!
ولتأدية الخدمة على أتمّها لم يترفّع المسيح عن القيام بأوضع الأعمال وأبسطها حتى ولو كانت مهمة غسل الأرجل التي كانت مسؤولية العبيد والخدم، فقام بغسل أرجل تلاميذه الإثني عشر وسط ذهول التلاميذ وحيرتهم، معلماً إياهم أن العظمة الحقيقية هي طريق الخدمة مهما كانت وضيعة، فمن يسعى للعظمة فطريقه هي طريق الخدمة، ومن أراد أن يتبوأ المراكز الأولى عليه أن يكون عبداً للكل. فالرئاسة ليست تسيّدًا وليست إستعبادًا وليست تجبّرًا بل خدمة بكل ما في الكلمة من معنى..
من جانب آخر قامت مريم أخت مرثا ولعازر أمام جميع الحاضرين في بيتهم في بيت عنيا على مقربة من جبل الزيتون أثناء العشاء بسكب قارورة الطيب غالي الثمن على رجلي المسيح ومسحتهما بشعر رأسها! ولقد ملأت رائحة هذا الطيب-طيب الناردين- البيت كله، فمنهم من رأى أنه هدراً كيهوذا الإسخريوطي الخائن، ومنهم من استهجن هذا التصرف الغريب، ومنهم كالسيد المسيح الذي أثنى على عمل مريم التي بإرشاد الروح القدس قد دهنت مسبقاً رجليه بالطيب لتكفينه قبل موته بأيام قلائل.
في الحادثتين هناك ذكر للأرجل، أرجل التلاميذ ورجلي المسيح. يعلمنا القديس بولس قائلا “حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام” (أفس15:6)، فهذه الأرجل ليست سوى أرجل القديسين التي تسير في طريق الخدمة وطريق القداسة، وهي الأرجل التي غسلها السيد المسيح ليلة الخميس العظيم لتكون سبب بركة في طريق خدمة الآخرين وسعادتهم وشفائهم.
وأما رجلي المسيح فقد استحقت أنْ تُطيَّبَ بأغلَى الأطياب لأنها رجلي الفادي التي قادته رسالته السماوية وخدمته العلنية إلى درب الآلام والجلجثة حتى سُمرتا معاً ثمناً لرسالته السماوية وأمانته وخدمته التي كرسها لخير البشرية جمعاء وشفائها وتحريرها من قوة الخطيئة والشّر والفساد وفتحِ أبواب السموات لها وكذلك الحياة الأبدية.
Comments are closed.