خواطر أحد الفصح يوحنا ٢٠ : (١ – ٩) البطريرك بييرباتيستا

في يوم الأحد، تأتي مريم المجدلية إلى القبر عند الفجر، والظلام لم يزل مخيماً، حاملة الطيب لتمسح به جسد يسوع، فترى أنّ الحجر الّذي كان يسدّ القبر قد دُحرج بعيداً، وتدرك أن شيئاً ما قد جرى (راجع يوحنّا ٢٠: ١). وتفكّر في الشيء الوحيد الّذي يمكنها التفكير به حينها، أيّ أنّ شخصاً ما قد سرق جسد الربّ.

تتوقع مريم أن تجد القائم من الموت في انتظارها.

مريم، ومن ثمّ بطرس ويوحنّا، يخوضون مبدئيّاً اختباراً آخر، وهو إدراك أنّ شيئاً جديداً ما قد جرى.

الشيء الأوّل الّذي اعتبر بديهياً صباح عيد الفصح، هو الشعور بشيء جديد يحدث.

الشيء الّذي كان الجميع يفترضه، الشيء الّذي كان الجميع يتوقّعه، الشيء الّذي كان من الطبيعي أن يحدث، في الواقع، يُخلي المكان لشيء جديد.

إنّ النبأ الفصحي الكبير الأوّل هو إمكانيّة حدوث شيء جديد، شيء مختلف. وبالتالي، فإنّ الخطوة الأولى الّتي ينبغي اتّخاذها، من أجل الدخول في يوم الفصح، هو القبول، بتواضع، بإمكانيّة حدوث ما ليس له مثيل، وما هو جديد؛ شيء لا يستطيع عقلنا، بمفرده، أن يأتي به.

نحن غالباً ما نكون مُستسلمين في الحياة، ونكون متعوّدين على حقيقة أنّه لا يمكن حدوث شيء جديد لنا، شيء جميل، ومع ذلك فإن إمكانيّة التجديد موجودة.

ولكن ما هو الأمر الجديد؟

رأينا، يوم خميس الأسرار، مسيرة يسوع، الآتي من عند الآب، والّذي كان على وشك العودة إلى الآب: لقد حانت الساعة (يوحنّا ١٣: ١).

ولكن بعد ذلك حدث الموت، والموت أعطى الإنطباع بأنّ بإمكانه وقف هذه المسيرة؛ لقد سعى بكافّة الأشكال أنّ يُنهي يسوع مسيرته الأرضيّة عنده، في مقرّ الموتى. لكن الأمر لم يكن هكذا.

تذهب مريم إلى القبر مُتوقّعة، في الواقع، أن تعثر على الموت، ولكنّها لا تجده.

“القبر فارغ، وبيت الموت قد تمّ تدميره: لقد كان هناك شخص أقوى منهما (راجع لوقا ١١: ٢٢).

تذهب مريم المجدليّة إلى القبر كي تدفع ضريبة الموت. تذهب حاملة بعض العطور، لأنّ الشيء الوحيد الّذي بإمكانها القيام به هو أن تجعل عطر حبّها يُخفي رائحة الموت الحادّة. هذا هو الشيء الوحيد الّذي لا زال يتعيّن القيام به.

نحن مقتنعون بأنّنا سوف نجد الموت دائماً قاب قوسين أو أدنى منّا، وبأنّ الموت موجود هناك في انتظارنا، كي يقطع الطريق أمامنا، وكي يقول لنا أنّه لا وجود لكلّ ما نؤمن به في الواقع. إنّه موجود هناك كي يقول لنا أنّ مصير كلّ رجاء جميل لنا هو الدخول، في نهاية المطاف، إلى القبر، وإلى الأبد.

وهكذا، فإنّ الموت يُصبح سيّداً، سيّد حياتنا، ونحن، في نهاية المطاف، نعيش من أجله: نحن نعطيه القدرة على إبقائنا في قبضته وتحت سيطرته، نعيش ونحن نفكر باستمرار بكوننا سائرين نحوه، على مثال سير مريم المجدليّة نحو القبر.

غير أنّ الموت، في ذلك الصباح، لم يكن هناك في انتظار النساء. لا تجد مريم القائم من الموت بعد؛ ولكنّها لا تجد الموت أيضاً.

وهكذا، فإنّ النبأ الفصحي الثاني الكبير والجميل هو أنّ الموت لم يعد موجوداً. وهذا نبأ بالفعل جميل جدّاً، وهو من الأنباء القادرة على تغيير الحياة.

كما تتغيّر حياة كلّ من بطرس ويوحنّا. هما أيضاً يذهبان إلى القبر، بعد أن أبلغتهم مريم بالأمر (يوحنّا ٢٠: ٣).

ولكنّهما يقومان بشيءٍ آخر: يدخلان (يوحنّا ٢٠: ٦ و ٨). يتوقّف الإنجيل عند دخولهما: يصل أحدهما قبل الآخر، ويصل الآخر لاحقاً، ولكنّه يدخل أوّلاً، وفيما بعد يدخل الآخر أيضاً…

ربّما يريد الإنجيل، ببساطة،إبراز أهمّية هذا الدخول، وحقيقة أنّ كلّ فرد له وقته الخاص للدخول. ولكن، عاجلاً أم آجلاً، يدخل الإثنان. يدخلان إلى مكان الموت، إلى مملكة الموت، ويريان بأنّه فارغ: لقد خرج يسوع منه. يريان أنّ كلّ رموز الموت، كلّ الأدوات الّتي كان الموت يستخدمها للحفاظ على ارتباط البشر به، لا زالت هناك، على الأرض، أو مطويّة في مكان بعيد (يوحنّا ٢٠: ٥–٧)؛ ولم يعد لها أيّ حاجة، ولم تعد تربط أيّ أحد. لم يعد الموت يُغلّف الحياة، فقد أُفرغ من قدرته.

يقول الإنجيل أنّ التلميذ الآخر، بعد أن رأى هذا، “آمن” ( يوحنّا ٢٠: ٨): وبالتالي، فإنّ الإيمان هو وسيلة للرؤية بعمق، وللإقرار بأنّ غياب الجسد ليس دليلاً على وقوع عملية سرقة، بل يعني أنّ حياة جديدة قد حدثت؛ يرى فراغاً، ويؤمن بأنّ هذا الفراغ هو، في واقع الأمر، امتلاء.

واليوم، هذا هو الشيء الّذي كلّ منّا مدعوّ للقيام به: الدخول إلى أماكن الموت، والبقاء هناك، على طرف القبر، كي نرى ونؤمن أنّه، على الرغم من أنّ الموت لا زال مخيفاً، فلم يعد له القدرة والسلطان.

نحن أشخاصٌ مدعوّون للمكوث هناك، على عتبة القبر، كما لو أنّنا نحافظ على جبهة مفتوحة، على ممرٍّ مفتوح، وأن نعيش هذه الحركة، من الموت إلى الحياة بشكل مستمرّ.

نحن مدعوّون أن نرى أنّ علامات الموت لا زالت حاضرة، في داخلنا وخارجاً عنّا، ولكن أن نؤمن، كذلك، بهذه الجدّة الكبيرة والمطلقة، وأن نؤمن أنّ “شخصاً أقوى” من الموت قد جاء إلى العالم كي يهزم ذاك العدوّ، الّذي ما كان الإنسان بمفرده يستطيع ولا حتّى مواجهته.

+ بييرباتيستا

Comments are closed.