رسالة البطريرك ثيوفيلوس الثالثِ بطريرك الروم الأرثوذكس بمناسبةِ الفصحِ المجيد 2023
ثيوفيلوسُ الثالثُ
برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ
وسائرِ أعمالِ فلسطينَ
إلى أبناءِ الكنيسةِ أجمعين، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ
قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ.
هلّموا خذوا نوراً من النورِ الذي لا يعروه مساءٌ ومجّدوا المسيحَ الناهضَ من بينِ الأموات.
سحراً عميقاً في أحدِ السبوتِ بعد صلبِ ودفنِ ربِّنا يسوعَ المسيحَ، فالنّسوةُ اللّواتي كنَّ يتّبِعْنَ يسوعَ منَ الجليلِ، طَرَحْنَ القضاءَ الجدّيّ، عنْ طبيعةِ المرأةِ الضعيفةِ وأظهرْنَ بالحقيقةِ شجاعةً رجوليّة. وازدريْنَ بخوفِهِم منَ اليهودِ وذهبْنَ إلى المدينةِ واشْتَرَيْن، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّ جسدَ الربِ يسوع. (مرقس 16: 1) ووصلْنَ ولمْ يتساءلْنَ قطُّ مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ (مرقس 16: 3) وذلكَ لأنَّهُنَ تَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ وملاكاً لامعاً جالساً فوقَهُ قائلاً لَهُنَّ: لقد عَلِمْتُ أنَّكُنَّ تطلُبْنَ يسوعَ الناصريَّ المصلوب، قد قامَ ليسَ هو ههنا، هوذا الموضعُ الذي وضعوهُ فيه، فاذهَبْنَ وقُلْنَ لتلاميذِهِ ولبطرسَ إنَّه يسبقُكم إلى الجليلِ هناكَ تروْنَهُ كما قالَ لكم (مرقس 16: 6-7).
لقد جاءتْ حقيقةُ إعلانِ القيامةِ هذا الصادقُ والمفرحُ الذي لمْ يُسمعْ بهِ من قَبْلُ؛ لكي يؤكدَ للنسوةِ الحاملاتِ الطيبِّ اللّواتي خرجْنَ من القبرِ وقدْ أخذَتْهُنَّ الرعدةُ والدهشُ (مرقس 16: 8) أنَّهنَّ شاهدْنَ بعدَ قليلٍ الرّبَّ القائمَ من بينِ الأمواتِ خارجَ القبرِ فقدْ سَبَقَ وقالَ لتلاميذِهِ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. ( مرقس 8 : 31 )
حقاً بمسرّةِ الآبِ أخذَ الابنُ الوحيدُ في تأنِّسِهِ الطبيعةَ البشريّةَ كلَّها واقتبلَ فيها الموتَ طوعاً، موتُ الصليبِ والآلامِ والدّفنِ، وانحدرَ بالصّليبِ إلى الجحيمِ، ولمْ يكُنْ للموتِ عليه منْ سلطان، بلْ قامَ بجسدِهِ في اليومِ الثالثِ وأقامَ آدمَ مَعَه بيدِهِ الجبارةِ، والآنَ وهوَ قائمٌ قالَ للنسوةِ الحاملاتِ الطّيبِ: سلامٌ لكما، فدَنَتا وأمسكَتا بقدميْهِ وسجَدَتا لهُ (متى 28: 9).
لقدْ جاءَ الرّسلُ عندما علِموا منَ النسوةِ حاملاتِ الطّيبِ، وعاينوا واختبروا القبرَ الفارغَ ولفائفَ الأكفانِ الّتي فيه، فقدْ مَنَحْتَ بطرسَ أنْ يدركَ بالأكفانِ وحدَها قيامَتَكَ “أيّها المسيحُ”، وكانوا قد رأَوْا الرَّبَّ في اليومِ الأوّلِ والثّامنِ من قيامَتِهِ ودخلَ إلى العلّيّةِ والأبوابُ مغلقةٌ، وأعطى تلاميذَهُ السّلامَ والرّوحَ القدسَ وسلطانَ مغفرةِ الخطايا وشدّدَ إيمانَ توما وأمّا لوقا وكلاوبا فقدْ خاطَبَهُما فيما كان سائراً مَعَهُما وفيما هو يباركُ الخبزَ عرفاه (لوقا 24: 30-31).
وقد أرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ“(أع 1: 3) وفيما همْ شاخصونَ إليه ارتفعَ عنْهم وأخفَتْهُ سحابَةٌ عنْ عيونِهِم (أع 1: 9) وصعدَ إلى السماءَ وجلسَ عن يمينِ اللهِ (مر 16: 9) مؤلّهاً كلَّ البشرةِ التي اتَّخذَها منّا.
ولأنّه يشفعُ فينا ،منْ هناكَ، أرسلَ معزيّاً آخرَ لنا روحُ الحقِّ الّذي منَ الآبِ ينبثِقُ (يوحنا 15: 26)، روحُ الابنِ هذا الّذي أنارَ تلاميذَهُ القديسينَ والرّسُلَ وقوّاهم وغيّرَهُم وأظهرَهُم حاملي الرّوح كارزينَ بالإنجيلِ الّذينَ بِهِم اصطادَ المسكونةَ كلَّها وأقامَ الكنيسةَ في أقاصي المسكونةِ الّتي اشتراها بدَمِهِ وأوكلَ الكنيسةَ أنْ تدبِّرَ عَمَلَهُ الفدائيَّ والتقديسيَّ على الأرضِ وأن تجريَ الأسرارَ الخلاصيّةَ وأن تكرزَ للعالَمِ كما كَرَزَ هوَ بالسّلامِ والمُصالحةِ والمَحَبَّةِ حتّى نحوَ الأعداءِ وما تزالُ “الكنيسةُ” مصليةً كالقديسِ باسيليوسَ الكبير: كفَّ شقاقاتِ الكنائسِ واقمعَ ثوراتِ البدعِ سريعاً وينتظرُ الرَّبُّ منَ الكنائسِ المحلّيّةِ أن تكونَ في شركةِ محبةٍ ووحدةٍ بينهم ويرتقبُ أن يكونوا واحداً كما هوَ والآب.
( يوحنا 17:11 ).
إنّ إتمامَ رسالَتِها هذهِ تقع ُعلى كاهلِ كنيسةِ الأرضِ المقدّسةِ، الكنيسةُ الموجودةُ في آوروشليمَ بشكلٍ خاص، والّتي فيها القبرُ الفارغُ والمغبوطُ، يُنبوعُ القيامةِ، فهيَ مضطهدةٌ من البدايةِ، وبحدةٍ مؤخراً، مجاهدةٌ غيرُ مستسلمة، مائتةٌ ولكنها ها هي حيّة، (2 كور 6 :9).
كارزةٌ بالمسيحِ المصلوبِ والقائمِ من بينِ الأموات، مستقبلةٌ أبناءَها من المغربِ والشمالِ والبحرِ والمشرقِ بالتّحيّةِ العطرةِ الفوّاحةِ: المسيحُ قام.
Comments are closed.