عظة البطريرك بيتسابالا: الأحد الخامس للزمن الفصحى، السنة أ

الأحد الخامس للزمن الفصحي، السنة أ

2023 أيار 7

(يوحنا ١٤، ١-١٢).

يفتتح المقطع الإنجيلي الذي نقرأه في هذا الأحد الخامس للزمن الفصحى (يوحنا ١٤، ١-١٢) خطاباً طويلاً ليسوع، يُعرف بـ “خطاب الوداع”. وهذا المقطع يتبع رواية العشاء الأخير. وفيه يتحدث يسوع مع تلاميذه عن مغزى موته، وعن رحيله، الّذي أصبح وشيكاً.

من أجل الدخول إلى قلب الخطاب، أود أن أبدأ بنظرة عامة على خبرة موت عزيز أي عندما نواجه الألم لفراق شخص نحبه، ونكون بحاجة إلى وقت للتعامل مع الحدث. وأعتقد أن هناك لحظتين ضروريتين في هذا الحال: تتسم اللحظة الأولى بالألم وبالفراغ وبالإحساس بالخسارة، لذا إن السؤال الّذي يطرح نفسه هو كيفية التعايش مع هذا الألم، دون أن يسحقنا؟

أما اللحظة الثانية فتأتي لاحقًا وتتعلق بكيفية عيش الوقت الذي يلي هذا الغياب. وينطوي على إعادة تكوين هويتنا: ما الأمر الجديد الذي يفتحه لي غياب الشخص المفقود؟ ماذا يعني؟ ماذا ينشأ عنه وماذا يُعدّ لي؟

يمكن أيضًا تفسير الفصول ١٤-١٧ من بشارة يوحنا، التي نبدأ قراءتها اليوم، انطلاقا من هذه الخبرة.

يسوع يترك التلاميذ كي يعود إلى الآب: حسنا، ماذا سيحدث لهم؟ كيف سيكونون بدونه؟ ماذا سيفعلون؟

لا يكتفي يسوع بالإجابة على هذه الأسئلة فحسب، بل يسعى إلى تعليم تلاميذه أسلوباً جديداً في التفكير؛ يسعى أن يخبر تلاميذه أنه، من الآن فصاعدًا، سيكون من الضروري وجود طريقة جديدة للتفكير وللنظر إلى الحياة، ولإدراك شكل حضوره.

نشعر بضرورة هذا المقطع بالتحديد في الآيات التي قرأناها، وكذلك في اعتراض توما: (آية ٥: ” يا رب، إنّا لا نعرف إلى أين أنت ذاهب، فكيف يمكننا أن نعرف الطريق؟ “)، كما في قول فيليبس (آية ٨:” يا رب، أرنا الآب وحسبنا”) وهذا يدلّ إلى أي مدى لا يزال فكر التلاميذ بعيدًا عن فكر يسوع.

وأول شيء يطلبه يسوع منهم هو ألا يخافوا وألا تضطربَ قلوبهم. إن الخوف هو دلالة على الإنسان القديم، الإنسان المنعزل، الّذي يجب أن يُخلص نفسه بنفسه، بقواه الذاتية، الإنسان الّذي لا يعيش علاقة تؤسّس لوجوده.

ولكن، هل يمكن أن يظلّ الإنسان دون أي خوف؟ وكيف؟

يفتح رحيل يسوع زمناً جديداً، حيث لا يتم قطع العلاقة معه فحسب، بل، على العكس من ذلك، يتم إيصال هذه العلاقة إلى كمالها وتمامها.

يصبح رحيله الطريق إلى حياة حقيقية، وهي الحياة الّتي كشفها لنا يسوع، وتقوم على علاقته بالآب. إنها علاقة محبة، علاقة شركة، وبالتالي علاقة حرية، حيث يكشف كل منهما وجه الآخر، ويتحدث عنه، ويعمل فيه ويعطي أحدهم المجد للآخر.

هذا هو محتوى الوعد الوارد في رحيل يسوع وفي موته. هو يذهب لإعداد مكان، وهذا المكان هو عطية العلاقة بالآب والتي هي متاحة للجميع. إنه المكان الذي فقده الإنسان بسبب الخطيئة، والذي يُعيده يسوع مجاناً، آخذاً على عاتقه، على الصليب، ذلك التباعد الّذي استحوذ على الإنسان، وتلك العزلة التي انتهى إليها.

إن الشركة معه، التي يعد بها يسوع هي شركة ووحدة كاملة، وهي مشاركة في الحياة نفسها. نرى هذا في الجملة الأخيرة من المقطع الإنجيلي لهذا اليوم، حيث يقول يسوع: “من آمن بي يعمل هو أيضا الأعمال التي أعملها أنا بل يعمل أعظم منها” (يوحنا ١٤: ١٢).

مما يعني – كما يبدو لي – أننا سنسير شيئاً فشيئاً، من فصح إلى فصح، نحو توحيد إرادتنا مع إرادة الله أكثر فأكثر، إلى قصد واحد معه، وبالتالي، سنتعلم ألا نطلب أي شيء سوى ما نعرف أنه يتوافق مع إرادته، لأن رغبته ستكون قد أصبحت أيضاً رغبتنا.

  • بييرباتيستا

Comments are closed.