عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: عيد جسد الرب
قرأنا في الأحد الماضي: “هكذا أَحبَ الله العالم حَتى جادَ بابنه الوَحيد” (يوحنا ٣: ١٦)، وأن يسوع، الذي هو الابن، قد جاء إلى العالم حتى لا يهلك أحد، وكي يتم بواسطته، خلاص هذا العالم.
يكلّمنا احتفال هذا الأحد، مرة أخرى، عن هذه المحبة.
وقبل كل شيء، يقول لنا بأن المحبّة هي أمرٌ ملموس.
والمحبة موضوع عزيز على قلب القديس يوحنا الإنجيلي.
ويكرّر ذكرها في رسالته الأولى حيث يقول إن المحبّة لا تكون بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق (١ يوحنا ٣: ١٨). إلا أننا نستطيع القول إن إنجيل يوحنا بكامله يتمحور حول الاندهاش والذهول إزاء هذا الإله، الذي بحبّه لنا، تجسّد وأصبح إنسانًا مثلنا. وعليه، يضيف يوحنا، استطعنا أن نرى ونسمع ونلمس… (١ يوحنا ١: ١-٣) لم يحببنا الله بالكلام بل أخذ جسدًا حقيقيًا. لقد “احتاج” إلى جسد كي يبذل نفسه من أجل الإنسانية ويخلّصها.
ونص إنجيل اليوم (يوحنا ٦: ٥١- ٥٨) يدخلنا في جوهر سرّ الخلاص.
نقف الآن عند الفصل السادس من إنجيل يوحنا ونقرأ الخطاب الرائع الذي يدور موضوعه حول خبز الحياة. يبدأ الفصل بالحديث عن يسوع حينما رفع نظره ورأى جمعًا كثيرًا وسأل فيليبس عن كيفية شراء الخبز. يؤكّد فيليبس ببساطة على واقع الحال ألا وهو عدم امتلاكهم الموارد الكافية كي يحصل الناس حتى على كسرة صغيرة (يوحنا ٦: ٥- ٧). بعد ذلك أخذ يسوع ما تبرّع به صبيٌّ هناك، وشكر ثم وزّع الأرغفة وأطعم الجمع.
بعد هذه العلامة، يختلي يسوع للصلاة ثم يلحق بتلاميذه الذين كانوا يحاولون الوصول إلى الضفة الأخرى من البحيرة من دون جدوى بسبب العاصفة. وبعد وصولهم إلى كفرناحوم، يتحدث يسوع في مجمع المدينة حديثا مطوّلًا عن الخبز الحقيقي الذي يُشبع جوع الإنسان.
في الآيات التي نسمعها اليوم، نرى أن الكلمات المتكرّرة تشير إلى الحياة. يقول يسوع إنه الخبز الحيّ وكل مَن يتناوله سينال الحياة.
بذلك يقول لنا الإنجيلي إن لدى يسوع نوعية حياة تختلف عن الحياة البيولوجية والطبيعية. تحمل هذه الأخيرة علامات الموت ومصيرها الزوال. تحتاج إلى الغذاء إلا أن الغذاء غير كاف لتجنب الموت. أما الحياة الخاصة بيسوع، فهي لا تعرف الموت.
وتحتاج هذه الحياة إلى غذاء. يتغذى يسوع من العلاقة مع الآب ويحيا به (يوحنا ٦: ٥٧). وبدورنا نحتاج إلى العلاقة مع المسيح وأن نتغذى منه.
يصل حبُّ الله إلى هذا الحد. لم يصبح قريبًا منا فحسب بل أصبح أخًا يمشي معنا.
وأكثر من ذلك، قدّم نفسه غذاء لحياتنا. ومن خلال رمزية هذا الغذاء يدعونا لأن نكون واحدًا معه، وأن نتخذ من حياته مثالًا لحياتنا وأن نحيا به كما هو يحيا بالآب.
لماذا وما الهدف من ذلك؟
غالبًا ما نجد في كتابات العهد القديم عبارات مثل “أنا هو الرب إلهك” أو “أحبب الرب إلهك”…
هنا، يحمل تاريخ الخلاص في داخله وعدًا عظيمًا، الوعد في أن يصبح الله إلها لنا، إله حياتنا.
لا يمثل ذلك فكرة يجب أن نؤمن بها، بل شخصًا يحيا داخلنا، ومصدرًا لحياتنا عينها، وهو الذي يُحيينا ويغيّرنا من الداخل. إنه الوعد بأن نحصل على حياة الله ذاته فينا.
يحقق يسوع هذا الوعد، وهذا الانتظار الكبير للإنسان، والرغبة الأكثر عمقًا فينا.
يقوم يسوع بذلك بالطريقة الوحيدة الممكنة، وهي تتمثل في عطاء ذاته لنا غذاء، طالبًا منا أن نعترف بجوعَنا الحقيقي، وأن نؤمن بأنه يُعطينا، إشباعا لهذا الجوع، خبزا حيّا ومجّانيَا، خبزا كفاف يومنا.
+بييرباتيستا
Comments are closed.