تَحدِّي المَحَبَّة بقلم القس سامر عازر
حياةُ الإيمان تضع محبتنا على المحك، فالمحبة هي مقياس عملي لنوعية إيماننا مهما كانت نوع الصعوبات والتحديات التي نمّر بها.
لذلك فالتجارب والتحديات والصعاب التي تواجهنا هي إختبار حقيقي لنوعية المحبة التي تستقر في قلوبنا، فإما أن تمتلئَ قلوبُنا بوصية المحبة التي أوصانا بها الله أو أن تخلو منها. وكل الوصايا والشرائع الإلهية هدفُها شيئٌ واحد وهو أن تمتلئَ قلوبُنا، لا بل تفيضَ بتلك المحبة الإلهية الغامرة التي زرعها الله في قلوبنا وأوصانا بأن تكون أساس علاقتنا معه، وأن تكون هذه المحبة أيضاً أساس تعاملنا مع إخوتنا في الإنسانية.
فالمحبة لا تتجزأ، إذ لا يمكن لمن يحب الله أن يكره أخاه، حتى ولو أساء له أو أضّر به أو تسبب له بأذى، فروحُ الإيمان لا تعرف الكره أبدا، إنما تسعى جاهدة وبطرق خلاّقة لإصلاح الخلل إينما وجد، ولكن بروح ذلك الإيمان عينه النابع من قلوبٍ محبة، لا تعرف الكره أبداً ولا تسعى وراء الإنتقام.
فغاية الأديان هي واحدة وهي أن تزهرَ حياتُنا بروح المحبة الصادقة الشفافة، وهذه المحبة تقدر أن تعالج كافة الأمور إنطلاقا من هذه الزاوية، فحتى قول الحق وجب أن نقوله بالمحبة Say the truth in love. فأي قرار نتخذُّهُ لتصحيح المسار يجب أن ينبع من ينبوع المحبة، لأن الله محبة، والمحبة كما تعلّمُنا الكتب المقدسة هي رباط السلام، أي أنها العقد الذي يجمع جميع حبات اللولو معاً في وحدة واحدة.
وهذه المحبة تملأُ قلوبَنا شجاعةً بأنَّ نواجه صعاب الحياة ولا نهرب منها، لأنه لا خوف في المحبة، فالمحبة الكاملة تطرح الخوف خارجاً، فلا خوف إذا من الغرق في بحار العالم العاتية طالما إمتلأت قلوبنا بهذه المحبة الإلهية، لأن الله يتنسمَ بمحبتنا رائحةَ الرضى، فأعمالُ المحبة هي الأعمال التي يرتضي بها الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تستقيمَ القلوبُ أو أنْ تكتملَ أعمالُنا من غير محبةٍ صافيةٍ خالصةٍ في جميع واجباتنا وأعمالنا الموكوله إلينا والصادرة عن قلوب محبة مائة بالمائة. فإما أنْ نحبَّ أو أن لا نحب، فلغةُ الإيمان لا تعرف إلا لغة واحدة، وهي لغة المحبة، التي كلما ابتعدنا عنها كلَّما ابتعدنا عن قلب الله وعن مقاصده وعن وصاياه، وكلّما قتربنا منها كلما غمرت بركاتُها القلوب بفرح لا ينطق به ومجيد.
وفوق كل شيء، بهذه المحبة يكون لنا ثقة في يوم الدينونة العظيم، لأنَّ بها وحدَها سنلقى وجه ربّنا. لنحبّ إذا بعضنا بعضاً لأن من لا يحّب أخاه الذي يراه كيف يقدر أن يحّبَ الله الذي لا يراه؟!
فلا ندّعيَ المحبة لله ونحن أنفسُنا لا نعيشَ هذه المحبة في حياتنا، لأننا عندها نخدع أنفسنا وقد نخدع الآخرين، ولكننا لن نقدر أن نخدع قلب الله الذي لا يعرف إلا لغة المحبة، وهذه المحبة هي التي نعرفها ونؤمن بها.
Comments are closed.