اغتيال الطفولة قصيدة للشاعرة فيلومين نصار

(اغتيالُ الطفولة)
قطَراتٌ من مشهدِ

الطفولةِ المذبوحةِ في غزة (31 أكتوبر 2023)

أنا الطفولةُ السارقةُ بعضَ طحينٍ
من مستودعاتِ اللاجئينَ والأممِ المتحدةْ
أَسُدُّ به رمَقَ من تبقى مكابِدَا
من أنينِ وجوعِ إخوةِ الأرحامِ
ناموا بين احتراقِ الركامِ ..
التصقَ لحمُهمْ بالمدافعِ والألغامِ
وجئتُ هنا، أفدي حياتي عن الأزلامِ ..


أسمعُ في نزاعي ونفَسي الأخيرْ
صوتَ شعوبٍ حُرَّةٍ خرجتْ
تدعو للحقِّ وللنَّفيرْ
استفاقتْ على زخّاتِ الدمِ كالمَطَرْ
لدغتهُمْ أصواتُ الحناجرْ
حرَّكتهمْ دمعاتُ الأمهاتِ في المحاجِرْ
أخبرَتْهُمْ أن الخطرَ صارَ حاضِرْ
وأنَّ شهرَ العسلِ يُغادِرْ ..


ربي وإلهي أعِنِّي
لم أعدْ أحتملُ يُتْمَ العذابْ
يُزاحمُني أزيزُ الموتِ كالخناجرْ
يلاحقُني من الخيمةِ إلى حُطامِ المرآبْ ..
من المهدِ مكتوبٌ على جبيني
أَنِّي عاصفةٌ في براري المجدِ
تقتلعُ من تحنَّطَ إحساسُهُ وغابْ!
أستحِمُ بماءِ الكرامةِ والبطولةْ
وأجفِّفُ جسدي بحياءِ الأعرابْ ..


أنا طفلةٌ لستُ كباقي الأطفالِ
أبحثُ عن أحشاءِ أمي والبقايا
بين أشلاءِ مئاتِ الضحايا
“أعرفُها من شعْرِها”
وأصرخُ يقينًا أنها
ممن ذُبِحوا وأضحوا شظايا ..


أبي يحملُني بأكياسٍ سوداءِ
يلملمُ أجزائي المحترقةِ دونَ رداءِ
يعرفُني من وشمٍ مطبوعٍ على يدي
ومن رائحةِ دمي “وفردةِ حذائي” ..
أنا المتناثرُ والمطعونُ في هوْلِ ابتلائي ..


أنا الطفولةُ الصارخةُ بفلولِ الرجالِ
ومن أحالَ المستحيلَ إلى مُحالِ ..
أنا من طهَّرْتُ هويتي وعروبتي
خُضتُ المعاركَ بالحجرِ والمِقلاعِ
لم أجدْ وطنًا يسعُني أكثرَ من “غزةْ”
فهي أكبرُ الأوطانِ فخرًا وعزَّةْ
وشهامةً طولاً وعرضًا ..
هو في اتِّساعِ ..


كم أخْجَلَني انحناءُ النخيلِ
يشرِّعُ أبوابَ الوطنِ لذاكَ الدخيلِ
وما زلتُ أقاومُ في ثباتي وصلابتي
أنتصرُ في غابةِ التَّوحُّشِ والإذلالِ
علَّني أوقظُ من استطابَ لهم السباتُ
أطمئِنُّ أن الدمَ في العروقِ حيٌّ
لم يمُتْ؛ وإنْ هُمُ ماتوا ..


أنا ابنُ غزةَ المحاصَرْ ..
قد ذبحَ الطغاةُ في المهدِ البرايا
مُذْ ذبحوا طفلَ بيتَ لحمٍ
طابَ لهم طعمُ الدماءِ
وعلَّقوا الأجسادَ على أعوادِ المنايا ..


نحنُ أطفالُ غزةَ الأبيةْ
ورجالُ فلسطينَ المحميَّةْ
قد دفعنا ضريبةَ الحياةِ والشقاءِ
نِلْنا إكليلَ الشهادةِ من أجلِ البقاءِ
والعالمُ مِنَّا ونحنُ منهُ؛
براءٌ في براءٍ في براءِ ..


ربي أسألُكَ وأناشدُكَ؛
ألاَّ تُمِتْني مرتينْ:
مرَّةً:
حين وُلِدْتُ فلسطينيًا
وأخرى:
حين تُرِكْتُ في الميدانِ وحدي
أُغتَصَبُ وأُقتَلُ ويُبْتاعُ جِلْدي
على أيدي طُغاةِ البغايا ..


ربي، خُذْ مني حياتي وطفولتي
فالكفَنُ أحنُّ عليّ
من حريرِ وفِراشِ السبايا ..


Comments are closed.