كنيسة القيامة تفتقد حجّاجها… فرح الميلاد أم سكون السبت العظيم؟بقلم: رافي غطاس
آسي مينا/نورسات الأراضي المقدسة
كنيسةٌ فارغة، حجارةٌ باردة، وصوت قناديل معلّقة يحرّكها الهواء. نصف الباب مفتوح لكنّ قلّة من المحليّين استطاعت إليها سبيلًا. إنّها كنيسة القيامة في القدس العائدة إلى سكون ذاك السبت العظيم. فلا أحد عند القبر أو فوق الجلجثة. المكان خالٍ تمامًا كأنّه ينتظر فجر القيامة…
بعد أكثر من 50 يومًا على اندلاع الحرب في الأراضي المقدسة، ما زالت كنائس فلسطين شبه خالية من الحجاج. وفي وقت يُفترض أن يشكّل ذروة الموسم السياحي، أُلغيت معظم الحجوزات وغرقت مدينة القدس في ظلمة الحداد، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
القبر المقدّس داخل كنيسة القيامة، القدس-فلسطين. مصدر الصورة: رافي غطاس
القبر المقدّس داخل كنيسة القيامة، القدس-فلسطين. مصدر الصورة: رافي غطاس
داخل كنيسة القيامة، تجد اليوم الرهبان الفرنسيسكان يتلون صلوات الفرض التي بدأوها قبل نحو 800 عام. لا توقفهم حرب أو يكسرهم اضطهاد أو يقهرهم وباء. بل تشجعهم الظروف أكثر على الاستمرار في حراسة الأراضي المقدسة.
طلب وقف الحرب من على الجلجثة
في مقابلة خاصة مع «آسي مينا»، قال الأب ستيفان ميلوفيتش (فرنسي الجنسية)، رئيس دير كنيسة القيامة، إنّ المؤمنين يتّجهون في هذه الأسابيع نحو الجلجثة بدل التحضير لعيد الميلاد المجيد. وأضاف: «بكل ألمٍ وخشوع، نقف يوميًّا عند أقدام الصليب في الجلجثة، مكان صلب السيد المسيح. ونرفع الصلوات والتضرعات من أجل إخوتنا المتألمين. ونقيم “قداس طلب وقف الحرب” على نية انتهاء هذه المأساة التي تشهدها الأراضي المقدسة».
ففي كتاب الليتورجيا اللاتينية، قداديس عدّة لأزمنة مختلفة في خلال السنة. واحد منها يُعرف بـ«قداس طلب وقف الحرب»، تُرفع في خلاله الصلاة من أجل العدل ووقف سفك الدماء وطلب السلام.
أين ذهب الجميع؟
كنيسة القيامة التي كان يزورها الآلاف يوميًّا، أصبحت اليوم فارغة. وذلك على الرغم من أنّ أبواب الكنيسة مفتوحة أمام الجميع، على عكس فترة الوباء. لكنّ المشكلة تكمن في عدم قدرة الحجّاج على السفر إلى الأراضي المقدسة، إضافةً إلى تجنّب المسيحيّين الفلسطينيّين دخول بلدة القدس القديمة بسبب إجراءات الشرطة الإسرائيلية الأمنية المشدَّدة، ومنع سكان الضفة الغربية من الحصول على تصاريح والوصول إلى القدس.
وفي هذا الخصوص، شرح ميلوفيتش: «كنّا نتجهّز لاستقبال عشرات آلاف الحجّاج في هذه الفترة، كما كل عام». وتابع: «لكن في لحظة مريرة انفجر الوضع كلّيًّا. والكنيسة التي كانت ممتلئة صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هرب الجميع منها. تمامًا كما حدث لحظة حدوث الزلزال ساعة موت المسيح هنا على الصليب».
يخدم ميلوفيتش في الأراضي المقدسة منذ 31 عامًا. وقد فسّر لـ«آسي مينا» أنه شهد على أحداث كثيرة مؤلمة في هذه الأرض، إلّا أنّ الرجاء هو السلاح الأقوى لأبناء موطن يسوع.
وتابع ميلوفيتش: «في غزة اليوم عدد من الراهبات والكهنة الرافضين مغادرة رعيتهم وكنيستهم على الرغم من قساوة الوضع الإنساني والقصف والدمار. يؤمن هؤلاء المكرّسون برجاء القيامة ويعلمون تمامًا أنّ دورهم في لحظات الموت هذه أن يبشّروا بالقيامة. ونحن هنا، نشعر، من هذه الكنيسة الشاهدة على خلاص العالم، بفخر شديد تجاههم ونصلّي يوميًّا من أجلهم».
المسيحيّ لا يعرف الخوف
قبل اندلاع الحرب، بدأت مدينة القدس تعاني في الأشهر الماضية موجة كبيرة من اعتداءات متطرّفين إسرائيليّين على الكنائس ورجال الدين المسيحيين والمقابر المسيحية. وعن هذا الموضوع، قال ميلوفيتش إنّ المسيحي لا يعرف الخوف.
المزيد
من حفل افتتاح المركز الثقافيّ اللبنانيّ المارونيّ في الإسكندريّة، مصر
رسالة إلى غزة والعالم
وجّه ميلوفيتش رسالتَيْن عبر «آسي مينا» الأولى إلى أهل غزة، قائلًا: «أنتم تحملون الصليب في هذه اللحظات، لكن تذكّروا أنّ بعد الصلب قيامة. إنّنا نرفع تضرعاتنا من أجلكم من قبر الخلاص».
أما رسالته الثانية فهي إلى جميع مسيحيّي العالم، إذ قال: «دمّر السيد المسيح الموت بالقيامة. وتقع اليوم مسؤولية كبيرة على عاتق العالم وهي أن يدمّر الحرب بالحياة، بخاصةٍ مع قرب حلول عيد الميلاد المجيد. فعلينا التحضّر لجعل ميلاد المسيح ميلادًا جديدًا للسلام في أرض السلام».
Comments are closed.