التسلح بالشجاعة من أهم معاني عيد الميلاد بقلم القس سامر عازر

من أهم مقومات النجاح هو تسلح المرء بالشجاعة، فلا يكفي أن يكون عنده المعرفة وطرق وأساليب التعامل مع الأمور بل أن يتسلح بالشجاعة اللازمة لمواجهة تحديات الحياة الكثيرة، لذلك ففي العسكرية مثلاً، فإن أهم مبدأ يتم التدريب عليه هو التحلي بالشجاعة، لأن مواقف كثيرة قد تتطلب أن يُنتزع الخوف من قلوبنا خصوصاً إذا تبيّن لنا عن فكرٍ وعن قناعةٍ ما وجبَ علينا أن نعمله أو أن نقوم به. فالشجاعة عنصر هام من عناصر النجاح، وبدونها نعيش بتردد وخوف ونفقد تحقيق الهدف في اللحظة المناسبة.

فمن أهم ما معاني عيد الميلاد المجيد هو أن نتسلح بالشجاعة، وقد وردت كلمة ” لا تخافوا” على لسان السيد المسيح أكثر من مرة، وفي قصة البشارة للعذارء المباركة مريم قالها لها الملاك بعد طرح السلام عليها ” لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدتي نعمة عند الرب”، والملائكة في السماء تغنت ليلة الميلاد مخاطبة الرعاة ” لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم”.

وفي فصل الإستعداد لعيد الميلاد المجيد يطلب منا البشير لوقا قائلا “لا تخافوا”، بل في وسط كل قد نمّر به به من علامات نهاية الأزمنة ومن آلام وأحداث جسام وأهوال مفزعة، يطلب منا قائلا “انتصبوا وارفعوا رؤؤسكم لأن نجاتكم تقترب” (لو ٢٨:٢١). إن هذه الكلمات تدعونا أن نوجه أنظارنا إلى الأعالي، لنستقي من القوة الإلهية لتقودنا لئلا نجلس متحيّرين أو باكين على الأطلال أو كالندّابين على حظنا، بل أن نبحث عما تعيينا السماء على التفكر به والعمل بموجبه لتغيير واقع الحال على أساس وقواعد عقلانية ومنطقية سليمه. طبعاً هذا يتطلب منا دوماً أن نرفع رؤوسنا حتى ولو تزلزت الأرض وانقلبت الجبال إلى قلب المياه. فالمؤمن لا تخيفه أعمال الظلمة ولا أعمال الشر، ولا أهوال الحروب والقتل والدمار والتشريد، لكنّهُ يستجمعُ قواه ويتمالك أعصابه ويبحث عن الحلول الممكنة في إطار المعطيات ونقاط القوة المتوفّرة.

قد يتساءل سائل، لماذا وصل عالمنا إلى هذا الحّد من الفساد والإنحطاط الفكري والأخلاقي والقيمي؟ ولماذا يدفع كثيرون من الأبرياء ثمن توحش البشرية وإبتعادها عن القيم الإنسانية التي شرّعها الله لتسود على كل البشر من غير تمييز أو تفرقه أو محاباة؟ ليس سوى ثمة جواب واحد، وهو أن قلب الإنسان شرير، وميله دوماً لفعل الشر أكثر من الخير، وحبُّه لذاته وأنانيته ومحبَّتُه لنفسه على حساب محبته للآخرين من حوله وللمصلحة العامة، ولذلك هي دعوة عيد الميلاد المجيد أن تعدينا في هذا العام إلى جوهر العيد وأساسه بأن الله مَعنِيٌّ بإنسانية الإنسان وبكرامته وبإستقامته وبعيشه بقداسة وبمخافة الله وبخدمةِ إقامةِ الحقِ والعدلِ في الأرض.

لذلك، دعوة عيد الميلاد ونحن نقترب من ليلة الميلاد أن نثق بأن الله معنا ” عمانوئيل”، فالله يقف إلى جانب أصحاب الحق والساعين إلى السلام والخير، ويتوخى فينا أن نتسلح بتلك الجرأة وتلك الشجاعة، فهو لا يريد مؤمنين ضعفاء، جبناء، متخاذلين، بل يريدنا أن نكون رُسلاً، متسلحين بمنطق القوة النابعة من أعماق الله، لأنها قوة تتحدى فساد العالم وإنحطاطه، وبمعونتها نقدر أن نكون نوراً يشع في عالمنا، وقادة تغيير حقيقيين، فوعد الله لنا صادق وأمين ” فالسماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول”.

Comments are closed.