الخادم الصادق والوكيل الأمين بقلم القس سامر عازر
أهم عناصر النجاح في الحياة هما حياة الخدمة والوكالة الأمينة. ففي كل جانب من جوانب الحياة هناك حاجة للخدمة الصادقة والوكالة الأمينة، وإذا إجتمع كلا الأمرين معاً، الخدمة والوكالة، فبلا أدنى شك سوف يتحقق النجاح ويتحقق الهدف المراد الوصول إليه.
فتعثر خدمتنا في الحياة يكون بسبب أننا ننسى من نحن، ننسى أننا خدّام المسيح ووكلاء سرائر الله كما أشار إلى ذلك القديس بولس الرسول. وكما علّمنا السيد المسيح عملياً معنى الخدمة الصادقة والوكالة الأمينة فكان هو نفسه خادماً ووكيلاً، وعلّمنا بأن العظمة الحقيقية تكمن في الخدمة، فالخدمة مقدسة وهي أكبر شرف يناله الإنسان بأن يكون مكرساً في سبيل خدمة الآخرين والسهر على راحتهم وسعادتهم.
ففي كل المواقع والمسؤوليات التي تفوّض إلينا هي في سبيل خدمة الآخرين من كل القلب كما للرب وليس كما للناس، فليست هي إذا خدمة مزاجية، أو مرتبطة بمصالح معينة، أو إنتقائية، بل خدمة تأدية شرف الواجب الذي يتحمله الشخص في سبيل تأدية رسالته. ولأجل تأدية الواجب نرى الكثيرين يفقدون حياتهم وحتى قد يستشهدون في سبيل الدفاع عن كرامة الحياة البشرية وحرية الآخرين وسعادتهم. وأمثال هؤلاء حقاً هم عظماء ليس فقط في نظر البشر، بل في نظر الله تعالى، فهو من سيكرمهم ويلبسهم إكليل النصر والغلبة. ويوم الجمعة 15/12/2023 فَقَد مراسل قناة الجزيرة الفلسطيني سامر أبو دقّة حياته وأصيب أيضاً وائل الدحدوح جراء سعينهم لنقل الحقيقية وتوثيق أبشع المجازر وأفظعها بحق الشعب الفلسطيني الساعي للحياة والتوّاق للحرية والكرامة.
وأما الأمانة في تأدية وكالتنا، فهي من أسمى درجات الرفعة والسّمو، فبريق المادة يخطف الأبصار، وأخطر ما يلوّث قلب الإنسان ويحيده عن دربه هي المادة وحب التملك والتسلط. فالمادة عدو لدود للإنسان وقادرة أن تغويه وتعثره وتأسره وتستعبده، فلا يعود يقرأ سوى لغة الأرقام، فلا يبالي بالقيم الإنسانية وبحقوق الآخرين، بل تصبح مقدرات الآخرين وحقوقهم وإمتيازاتهم غنيمة له ليُرضى بها شهوة قلبه ويمتع بها ناظريه.
والحقيقة أن العالم المادي والإستهلاكي والرأسمالية قد زدات من بشاعة حبنا للمادة واللهاث وراءها على حساب الإستمتاع بالوجود وبكل مكنونات الجمال والفن والموسيقى والصداقة والإخوة، فأصبح الإنسان يبيع أخاه بثمن بخس، ويبيع مقدرات الوطن مقابل ملء جيوبه ويبع الأوطان لقاء حفنة من الدنانير أو حتى التمتّع ببعض الإمتيازات الزائلة، فيخسر نفسه حتى لو ربح العالم كله.
تبقى الخدمة الصادقة والوكالة الأمينة أمران يمكن أن يتعلمها المرء بالتربية الصالحة والقدوة الحسنة والإستغناء من المفاهيم الروحية المنغرسة في جوهر أدياننا السماوية. وإذا تجرّدت حياتنا من هذين المفهومين تكون حياتُنا عابرة سرعان ما يطويها الزمن، ونقف عراة أمام خالقنا في يوم الحساب العظيم.
Comments are closed.