ليسَ كلُّ منْ يركضُ في المَيدانِ عَدَّاء! بقلم القس سامر عازر
الميدان ليسَ فقط الساحة الرياضة المخصصة لمسابقات الركض، مع أن هذا الميدان يعطي صورة إنطباعية واقعية عن ميدان الحياة الذي يركض فيه الجميع. فالحياة عبارة عن ميدان كبير والجميع عليه أن يركض، فالحياة لا تسير من غير حركة مستمرة ومتواصلة وجهد موصول تحقيقاً للوصول إلى الأهداف المنشودة. فليس في قاموس الحياة تقهقرٌ أو استكانة، لأنَّ عجلةَ الحياةِ لا تنتظرنا وقتها، وأهم ما في الأمر هو إستغلال أوقاتِنا بأفضلِ الطرقِ وأحسنِها أي بحسنِ إدارة الوقت، فالعمرُ قصير، وأموراً كثيرة في الحياة إذا فات موعدها صعب أن يتم إعادتها.
لذلك، فكل إنسان منّا عدّاء في هذه الحياة، لكن هناك ثلاثة أنواع من العدّائين، هناك من يسعى لتحقيق أهداف زمنية وهناك من يسعى لتحقيق أهداف أبدية وهناك من يسعى لتحقيق كِلا الأهداف معاً بمهارة وإجتهاد.
والأهداف ضرورية في الحياة، فما هي الحياة من دون طموح وأهداف؟!، ورسم أهدافنا في الحياة يعطينا دائماً الأمل والسعي لتحقيقها، ويعطي للحياة طعما ولذّة، فتنتظمَ حياتُنا ضمن منهج واضح وبرنامج سليم ومثابرة منقطعة النظير، فما من نجاح يتحقق من غير مجهودٍ وبرامجَ وخططٍ واضحةٍ وكذلك عملٍ مثابرٍ وجهدٍ متواصل، فالنجاح عمل شاق ومضني تماماً كما يبذل المتسابق في الميدان جهداً بدنياً كبيراً ويبتّع أقسى التمارين وأشدّها لتحقيق هدفه في الوصول إلى خط النهاية ونيل التتويج.
ولكن للحياة ميدان آخر علينا أن نركض فيه ونجّد فيه وهو ميدان الآخرة والحياة الأبدية، وهذا يتطلب منّا أن نضبط أنفسنا في كل شيء، والتتويج هذه المرة سوف يكون سماوياً ممن يرى ما لا يراه بني البشر، فالله ينظر إلى القلب لا إلى العينين، وهذا يتطلب منّا أن نبذل جهداً من نوع آخر، جهد ليس هدفه أن يراه الناس، بل جهد قد يبذل في الخفاء، جهدٌ يُعمل من أجل الخير وبثِّ السلام والمحبة والتقريبِ بني البشر وإصلاحِ ذات البين بين الناس والعملِ على تخفيف همومهم وآلامهم وكذلك مشاركتِهم مما أنعم الله علينا من نعمٍ وبركات مادية وروحية.
وهنا تكمن التضحية الكبيرة في بذل الذات في سبيل سعادة الآخرين، فمن أحب حياته يُهلكها ومن أهلك حياته في سبيل سعادة الآخرين يجدها. ففي هذا الميدان ليس كلُّ المتسابقين عدّائين، فلا يَغّرنا التظاهرُ بالتديّن أو التمسّكِ بالفرائض والطقوس والممارسات الكثيرة، لأنها قد تكون قشوراً تخلو من لبِّ المحبة الصادقة والعطاء المميز وعمل الخير والإحسان.
لنتذكر أن هناك من يقّيم عملنا وإنجازنا في ميدان الحياة الدنيا ولكّل مجتهد نصيب، وإكليل الحياة الدنيا هو إكليل يفنى، ولكنَّ سعيَنا في ميدان الحياة الآخرة لا يراه إلى الله وحده وإكليل هذه الحياة لا يفنى، والله وحده سوف ينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكلِّ واحدٍ من الله، وحينئذٍ يكون المدح لكل واحد من الله.
Comments are closed.