“موعظة” الكاردينال في مادبا كتب الأب نبيل حداد

تابعتُ مشاهد من زيارات الكاردينال باتيستا الى (ميدبا) مدينة التاريخ والفسيفساء، الجالسةِ عند اطراف مؤاب لتروي قصة حضورنا المسيحي واطلالة شرقنا الاردني الرزين على القدس.
سُنّةٌ طيبة استنّها الكاردينال الآتي الى سدّة البطريركية اللاتينية من حراسة الأرض المقدسة، الذي فهم هذه الجغرافيا وأتقن قراءة خارطتها الروحية والديموغرافية ودرس أبجديةَ طِيبةِ الاردنيين.

من صُلبِ واجب الراعي الكنسيّ أن يزور المؤسسات ويتفقّد الكنائس ويعود المرضى في بيوتهم، وهذا الفعل الجميل يُتوقُع من راعي أبرشية البطريركية الممتدّة حتى قبرص. لكنّ أجمل المشاهد التي وقعت عليها عيناي، وتتكرر في برنامج نيافته في مادبا بعد الفحيص، هي هذه الزيارات (الأبوية) التي تحمل كل معاني المودة الأخوية إلى كنيسة الفسيفساء وكنيسة الخارطة الكتابية والتقائه بالكهنة والمؤمنين من الروم الكاثوليك والروم الارثوذكس، وهي زيارات تمّت بعيداً عن التكلّف وبإطلالةٍ ابعد ما تكون عن أيّ مظهر طاووسي يمُجّه المؤمنون

ويرفضونه.، ولا تأتي إلا من موقفٍ وفكرٍ يؤمن ان الحواجزَ تقيمُها القلوبُ المتنافرة وألسنةُ الاتهام للآخر، وأن غياب المحبة لا يمكن ان يجدَ له سنداً في انجيلنا الكريم او في أيّ فكرٍ لاهوتي.
تفيضُ هذه الزياراتُ بالودّ والاعتراف بالأخوّة، وتُظهر اقتراباً في التّواضع. والتواضع يكون أبهى عندما تزيّنه محبةٌ نحو الأقرب قبل القريب ويُزيل كل العُقد المُعيقة. فبزيارةِ افتقاد على قِصَرها، وخارج انماط البروتوكول، تتعزز الصورة والهوية والسلوك المسيحي وتزول مفاهيم الفوقية والاستعلاء الخاطئة التي لا يستسهلها

إلا الفارغون.
ونحن في الأردن اصحابُ الروح الاردنية التي ترى أن الكبيرَ كبيرٌ بتواضعِه واقترابِه من الناس وفي سعيه إلى لمّ الشمل. وقد تحرّرنا من عُقَد الفُرقة، وكان إنجازُ كبارنا ووجهائنا قبل عقود في ذلك الإصرار على توحيد الاعياد، ليصيرَ فينا واحداً من تجليّات التآلف. زياراتُ الكاردينال اللاتيني الى كنائس مادبا الشقيقة -كما في الفحيص من قبل- تبعثُ رسالةً طيّبة وبليغةً ووعياً كبيراً وتوعية أكبر، وتذكّرنا بأن على كل منّا أن يَفهم حقيقةَ اخيه ويحترمَه ويحبَّه, “إذا أحبَبْتُم بَعضُكُم بَعضًا، يَعرِفُ النّاسُ جميعًا أنّكُم

تلاميذي”
وأوساطنا الأردنية التي نعرفُها ونحترمُها، تُسرّ بأيّ نهضةٍ روحية صائرةٍ عند كنيسة شقيقة وتَفرح بكل خطوة نجاح تحققها هذه الكنيسة أو تلك.
المشهد المسيحي الذي يُفرح القلب هو سلوكنا نحو الاخر بمحبة واحتضان. وما من شكّ باننا بهذا فقط نقوى على كل غطرسةٍ قديمةٍ وقلقٍ عفا عليه الزّمن، ونضُمّ الاخر الى قلوبنا. وهكذا وعندما تقوى كلّ كنيسة منّا بالمسيح-وبالمسيح فقط- ولا تستقوي على غيرها، يتيسّر تقاربُ القلوب ويتيسّر تقارب الفكر عند الفاهمين الواعين

لمسيحيتهم، ونسلك درب الوحدة في تنوّعنا الثّريّ.
نيافة الكاردينال باتيستا.. شكراً

Comments are closed.