الطفولةُ غيرُ الفكرِ الطُفولي بقلم القس سامر عازر

هناك فرق شاسع بين أن نكون طفوليين وبين أن نكون أطفالا نتسم بروح الطفولة والبراءة والنقاء. فهناك من هم بالغون ولكنهم ما زالوا طفوليين بفكرهم وطيشهم وتصرفهم واستهتارهم بالحياة وبحقوق الآخرين وكرامتهم ومصالحهم، ولكن من الجانب الآخر هناك من يتمتعون بأجمل صفات الطفولة من نقاء وصفاء وبراءة، فلا يعرفون الحقد ولا الكره ولا الأنانية ولا الإنتقام بل يلمع في أعينهم شعاع سماوي يضيء القلب فرحا وبهجة.
هكذا وجب أن تكون عليه حياتُنا بأن نحيا ونحن كبار بنقاء وصفاء وبراءة الأطفال، ولكن بحكمة الكبار. فما فائدة الحكمة والفلسفة والفكر إن اتسمت حياتنا بصفاتٍ تحوِّلُ حياتنا من أداة نافعة في بناء المجتمعات وحياة الناس إلى معول هدّام وعقبة في طريق طموح الآخرين وعطائهم وإنجازهم. إن مثل هذه الروح الأنانية تَحزنُ لفرحِ الآخرين ونجاحهم، وتحسدهم لما يحققون من نجاحات وإمتيازات دون أدنى تقدير لما بذلوه من تضحية وبذل وعطاء في سبيل تحقيق الأهداف السامية التي عملوا عليها لتحقيقها والوصول إلى مرادهم.

ولذلك، يطوب المسيح أمثال هؤلاء الذين يملكون صفاء الطفولة ونقاوتها في حياتهم مهما تقدّم بهم العمر “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”. ويطلب منا السيد المسيح له المجد أن نأتي إليه ونتعلم منه حق التعلّم معنى الوداعة وتواضع القلب. والسؤال، أين نجد الوداعة اليوم في عالمنا وأين نجد تواضع القلب؟ للبعض تبدو الوداعة ضربا من الضعف الذي لا يتوافق مع عالم البطش والغطرسة والقوة، وكذلك تبدو طيبة القلب من أيام الزمن الجميل حيث تكون محبة القرب كمحبة النفس والحرص عليه والفرح معه ومساندته ومساعدته في تخطى كثير من الصعاب.

فمهما تقدم العالم والعلم والفكر والمعرفة-وهذه كلها كنوز هامة لتقدم الحياة وتطورها-ولكنها تبقى ناقصة إن لم تتزين بكنز نقاء وصفاء وبراءة الأطفال وبالوداعة وتواضع القلب، فالحياة الفضلى أسمى من قيم المادة وأكثر دواماً. فمن يمتلك كل شيء وتنقصه براءة الأطفال لن يقدر أن يرى ملكوت الله، ولذلك يقول السيد المسيح ” إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد لن تدخلوا ملكوت السموات”. لذلك، إن كنا نسعى لأن يدومَ بناؤُنا ويكون ذا نفع لحاضرنا وأبديتنا علينا أن نحمل نير تعاليم المسيح من محبة وتسامح وخدمة وتضحية وعطاء، فنير المسيح وإن بدا ثقيلا لكن بقوة الروح القدس حملُهُ خفيف، فهناك توجَدُ الراحةُ الحقيقية لنفوسنا
( متى 11:30).

Comments are closed.