خيبة الأمل بقلم الأب الياس كرم
خيبة الأمل شعور ينتاب الإنسان عندما يدرك الفرق بين ما كان يأمله ويظنّه ويطلبه، وبين ما تحقق منه على الأرض.
إذ يأتي ما تحقّق أقلّ مما كان يأمله أو مختلفًا كليًا مع ما ظنّ أنه سيكون، أو فشل فشلاً كاملاً في تحقيق ما كان يأمله.
وما يصحّ على شعور الأفراد من خيبة الأمل، يصحّ على الجماعات.
قد نتوقّع خيبات كثيرة في حياتنا، لكنّ أقصاها تلك التي تأتيك من مقرّبين، اعتقدتَ أنهم أكثرُ الناس تفهّمًا لك ولعملك، ولمشاعرك، ولتضحياتك، ولتجاربك، ولإفكارك، ولإنجازاتك، ولخطواتك النابعة عن غيرة ومحبة لما تقوم به، وما تصبو إليه.
صدُقَ قول الشاعر: “وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ”.
علّمتنا الحياة ألّا ننتظر امتنانًا عن عمل أو إنجاز نقوم به، وعلّمتنا أيضًا أن الحربة التي نُطعن بها، تأتيك من الذين أكلت معهم وشربت معهم وقضيت سنوات وايّاهم.
ولكن، مَن نحن أمام معلّمنا الذي سلّمه تلميذه للصلب، وآخر نكره، والباقون خافوا وهربوا؟
الجرح الذي يأتينا من القريب أعمق بكثير، وموجع أكثر، ويبعث فينا ألمًا غريبًا، وتجتاحنا مشاعر كثيرة مختلطة، فتتركنا متوترين، وقلقين، ومحبطين، ومشمئزين، ويائسين.
هذا بالعادة ما تنتجه خيبات الأمل في الانسان، ولكن هذا لا يعني أنّنا في الخيبات لا نتسلّح بالصبر ولا نتوكّل على الله، رغم أن الاتّكال على الله لا يلغي القرف الذي سببته خيبة الأمل، خصوصًا اذا أتتك من اشخاص لا يفقهون قيمة النجاحات، ويقطفون تجلّيات الآخرين وينسبونها لأنفسهم، ويصبح الحق عندهم باطلًا، والعكس صحيح.
رغم ذلك، المؤمن مدعو دائمًا إلى التغلّب على مشاعره، والتذكّر أن أعماله ليست مخيّبة للآمال، والتعلّم من أي تجربة تواجهه، والتركيز من جديد على أشياء ما زال يمتلكها لتحقيق إنجازات ووثبات، وتغيير نمط عمله وتعامله مع الآخرين.
“المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”، ينبغي للمؤمن أن يأخذ حذره إذا لدغ من جحر من إنسان، فيأخذ حذره حتى لا يخدعه مرة أخرى، وإذا كان إنسان قد ظلمه في المعاملة، فليحذر أن يخدعه في المرة الثانية. أشخاصٌ من هذا النوع يعيقون الاعمال الصالحة، وكل عمل ناجح، ويعثّرون الآخرين. ولا ننسى أن السيد المسيح قال لنا “وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!” (متى ١٨: ٧). العثرة قد تصدر عن كل خطيئة مضاعفة، إذ يسقط الإنسان في خطيئة وَيُسْقِطَ غيره. وتنتج العثرات من محبة الشهوات العالمية، وعدم المرونة، وقلّة الإحساس بالآخرين، خصوصًا الضعفاء. لذا فهي جرم عظيم، ومن يصر على إعثار غيره ولا يتوب، فلابد أن يهلك.
ينبغي للمؤمن أن لا يخيّب أمل أحد، وأن يتّقي شر ممن خدعه أولًا أو أضرّه، ولكن مع هذا فليسامحه، ليس لأن المسامحة من شيم الكبار، بل لأنّ الربّ علّمنا أن نغفر للناس زلاتهم حتى يغفر هو زلاتنا.
Comments are closed.