قصة حقيقية عَن سِرِّ التَّوبَةِ والاعتِرافِ!


للأرشمندريت جاورجيوس كبسانيس

سأخبركم بقِصّةٌ ستُعجِبُكم. فهِيَ أجمَلُ ما سَمِعتُ في حياتي. عاشَ في قَريَةٍ ما، كاهِنٌ متواضِعٌ وَديعٌ، غيرُ مشهورٍ، وأُمِّيّ. لكن كانَ مُنعمٌ عليهِ مِن الله. لَم يَمدحْهُ أحَدٌ قَطّ، على أَنَّهٌ أبٌ روحيٌّ مُهِمّ. مَرَّةً، في أثْناءِ الاحتلالِ في الأربعينيّات، عانى النَّاسُ مجاعةً لفترةٍ طويلة، فأرسَلَ هذا الكاهِنُ ابنَهُ إلى القَريَةِ المُجاوِرَةِ، عَلَّهُ يَجِدُ القَليلَ من الخبُزِ ليَسُدُّوا جُوعَهُم. وَجَدَ الصَّبيُّ رغيفًا، وتَوَقَّفَ في طريقِ العَودَةِ عِندَ عَينِ الماء. وجدَهُ أحدُهم واقِفًا هُناك، وقتَلَهُ لأجلِ الخُبز. فأحضروا الغُلامَ قتيلًا إلى أَبيهِ الكاهِن. تتخيَّلونَ ألَمَ الأبِ على مُصيبتِه. مَرَّت السّنواتُ، وجاءَ إلى تِلكَ القَريَةِ شابٌّ يبحَثُ عن العَمَل، فأخَذَهُ الكاهِنُ ليعمَلَ في حَقلِه. مَعَ الوَقتِ، لاحَظَ كَم أنَّهُ شابٌّ جادٌّ ونشيطٌ، وبَعد أَن اشتغلَ عِندَهُ لِسنواتٍ، قَدَّرَهُ الكاهِنُ. قالَ لهُ يَومًا:

يا بُنَيَّ، نحنُ نُقدِّرُكَ، عِندي ابنةٌ ونَوَدُّ أن تَصيرَ صِهرًا لَنا.

فرَدَّ الشَّابُّ بحزنٍ:

يا أبانا، لستُ أهلًا.

كيفَ تقولُ إنَّك لا تَستَحِقُّ؟ نحنُ نَراكَ مُمتازًا.

لستُ مُستحقًّا يدَ كريمَتِك. مِن فَضلِكَ تَعال هذا المساء إلى الكنيسة. أودُّ أَن أَعتَرِفَ وستَرى.

ذهبَ الكاهنُ الورِعُ إلى الكنيسة، ووَضَعَ البطرشيلَ، ووقَفَ أمامَ إيقونةِ السَّيِّدِ المَسيحِ، مُنتظرًا سَماعَ الاعتراف. جاءَ الشَّابُّ وبدأَ اعترافَه. قالَ:

يا أبانا، أنا مُجرمٌ. غَمستُ يَديَّ في الدِّماء. قَتلتُ صبِيًّا قُربَ نَبعِ الماءِ في المَكانِ الفُلانيّ.

فقال الكاهن:

يا وَلَدي، هَل آذاكَ الصَّبيُّ بِشيء؟ قال:

لا، يا أَبَتِ. لكن تَشوَّشَ ذِهني من شدَّةِ جُوعي، وحالَما شاهَدتُ رَغيفَ الخُبزِ في يَدِهِ، قَتلتُهُ كما لَو كانَ حمَلًا. كان يرتَدي صليبًا في عُنُقِهِ، فأَخذتُهُ وعَلَّقتُهُ في عُنقي. مُنذَ ذلكَ اليَوم، كُلَّ ليلةٍ يُحرِقُني هذا الصَّليب. فأَبكي نَدَمًا. ها هوَ الصَّليب. وكشَفَ عنه. حالَما شاهَد الكاهِنُ صليبَ ابنِهِ، خانَتهُ قِواهُ وكادَ يَهوي أرضًا. قالَ:

اسندْني يا بُنَيَّ، فأنا هَرِمٌ وما عادَت قَدمايَ تَحمِلاني. اسندني كَي لا أَقَع. فَسندَهُ الشَّابّ. ثُمَ نظرَ الكاهِنُ إلى المَصلوبِ، وتَعلَّمَ درسًا مُهِمًّا، فاستَمَدَّ قُوَّةً، ثُمَّ قالَ الشَّابُّ:

والآنَ، بَعدَما سمِعتَ كلامي، ألا زِلتَ تُريدُني صِهرًا في بَيتِك؟ أرَأيتَ أيّ خاطئٍ شَقِيٍّ أنا؟

فَردَّ علَيهِ ذاكَ الكاهِنُ الوَديع:

يا بُنَيَّ، ما دامَ اللهُ يَقبَلُكَ عَبرَ التَّوبَةِ في مَلَكوتِهِ، أَيُمكِنُني ألاّ أقبَلَكَ في بَيتي؟ هيَّا اركَع اذن، يا وَلَدي، لأقرأَ عليكَ صَلاةَ الحلِّ. ركَعَ الشَّابُّ، وصلَّى لُه الحلّ. ثمَّ قالَ له:

اسندْني، لنَذهبَ مَعًا إلى البَيت (لأنَّ رجليهِ لَم تحمِلاه).

أخذَهُ الشّابُّ إلى بَيتِهِ. وزوَّجَهُ ابنتَه.

لم يُخبِر هذا الكاهِنُ القدِّيسُ أحدًا عَن هُويَّةِ هذا الشَّابّ. ثمَّ قبلَ رُقادِهِ بقليلٍ، فيما كانَ في المُستشفى في أثينا، رَوى القصَّة لأَبيهِ الرُّوحيِّ الَّذي رَواها بدَورِه لي شخصيًّا. إنَّها حقيقيَّةٌ، وأنا رَويتُها لكُم، لكي تَرَوا كَم مِن النِّعمَةِ يُخبِّئُ الكاهِنُ المُتواضِعُ في قلبِه.

صلّوا، طالبينَ أَن يَمنَحَنا السَّيِّدُ الإلهُ نِعمَةَ التَّوبَة. آمين!

(الأرشمندريت جاورجيوس كبسانيس رئيس دَير البارِّ غريغوريوس في الجبل المقدَّس-آثوس)

Comments are closed.