معايير الربح والخسارة في فكر بولس الرسول بقلم القس سامر عازر

“ما كان لي ربحا فقد حسبته خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي”. هذا كان فكر بولس الرسول. بالنسبة له كان أهمُّ شيء في الحياة هو تحديد البوصلة، عندها فقد نستطيع ان نحدد خارطة طريقنا التي عليها يجب أن نسير لنصل إلى نهاية الدرب محققين أهدافنا التي رسمناها لأجل نفوسنا.

في الحياة هناك أهداف كثيرة وجب علينا أن نحققها بالجهد والمثابرة والعمل الموصول والجاد، وقادرين أن نتخطى كل الصعاب التي تواجهنا وأن نجعلها أن تكون صخرات نتسلقها لا متاريس تمنعنا من استمراية المسير، الأمر الذي ينال من الكثيرين ممن يخورون في الطريق فلا يعودوا يقدرون أن يكملوا المسير، باحثين عن حلول لأزمات وتحدياتهم خارج الصندوق.

وهكذا حالنا في الخدمة الروحية فهناك هدف سامٍ في الحياة قد رسمناه لحياتنا وهو نيل الجعالة/ الجائزة الكبرى في دعوة الله لنا في المسيح يسوع، وهذه الدعوة السماوية تتطلب تكريساً للنفس وتهذيبا لها والسمُّوِ بالنفس فوق المادة ومغرياتها والجسد وشهواته والسلطة والإقتال والتناحر للوصول إليها. إن حياة الإيمان تتطلب من الإنسان أن يبحث عن الأبقى والأسمى والتي لا يمكن للإنسان العادي أن ينالها إلا بالجهاد الروحي والتضحية الصادقة والحقيقية.

فبولس الرسول رغم كل مكاسبه وكل ما حققه من علم وغنى ومال ومركز وسمعه طيبة إلا أنها لم تعد تساوي شيئاً بالنبسة له أمام الهدف الأسمى وهو معرفة شخص المسيح معرفة شخصية واختبار قوة قيامته المجيدة في حياته، لا وبل نيل شرف الإشتراك في آلامه، لأنه على يقين بأننا مدعوين ليس فقط لنقوم معه بل أن نتألم معه أيضاً. وهذا هو جوهر المسيحية أن النصر الحقيقي والنجاح المأمول لا يتحقق إلا ببذل الذات والتضحية والعمل المخلص والأمين، وهذا هو مفتاح النجاح في الحياة.

بالنسبة إلى بولس الرسول، كل شيء لا يساوي فضل معرفة المسيح يسوع، وأن يكون له نصيب معه تماما كمريم التي اختارت النصيب الصالح. وهذا المعرفة تتطلب حياة روحية مبنية على إختبار كلمة الله الحيّة التي تدعونا لأن يزيد برّنا حتى على الفريسيين والكتبة، وتدعونا أيضاً بأن نتصرف وفق الشريعة الإلهية فلا نواجه الشر بالشر والعين بالعين ولا الإساءة بالإساءة بل أن نُظهر للعالم وجه المحبة الحقيقية القادرة أن تغير شكل العالم ومضمونه ليسيرَ في طريق الإنسانية وطريق احترام كل نفس بشرية وحقها في الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية.
إن الحياة الروحية التي لا تصل إلى هذا العمق مشكوك فيها، فالروحانية ترفع الإنسان فوق محدودية المادة والإختلافات العرقية والإثنية واللغوية والدينية أيضاً. فبسمو الروح نقدر أن نرفع من مستوى عالمنا المنحدر نحو التطرف والإنغلاق والإنقسام والجشع والإنتقام والإنانية.

Comments are closed.