رسالة البابا إلى المشاركين في لقاء الصداقة بين الشعوب
بعث البابا فرنسيس برسالة إلى المشاركين في لقاء الصداقة بين الشعوب في ريميني الإيطالية والذي يُعقد هذا العام من العشرين وحتى الخامس والعشرين من الجاري. حملت الرسالة البابوية توقيع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين وأكدت أن صب الاهتمام على ما هو جوهري يساعدنا على الإمساك بزمام حياتنا وجعل منها أداة للمحبة والرحمة والرأفة.
استهل نيافته رسالته معرباً عن تحيات البابا فرنسيس الحارة والقلبية إلى المنظمين والمتطوعين وجميع المشاركين في هذا اللقاء السنوي الذي وصل اليوم إلى نسخته الخامسة والأربعين، ويُعقد حول موضوع “إن لم نبحث عما هو جوهري، فعمّا نبحث؟”. وتوقف عند الأزمنة الصعبة والمعقدة التي نمر بها اليوم، حيث يكتسب أهمية كبرى البحث عما يشكل مركز ومحور سر الحياة والواقع. ولفت إلى أن زمننا مطبوع بالعديد من المشاكل والتحديات الكبيرة، التي نشعر أمامها أنه لا حول لنا ولا قوة، ما يمكن أن يفقدنا معنى الوجود. من هذا المنطلق لا بد أن ننطلق بحثاً عما هو جوهري في الحياة.
بعدها كتب الكاردينال بارولين أن الحبر الأعظم يشجع الجميع على البحث، بشغف وحماسة، عما يُبرز جمال الحياة، مذكراً بما قاله الأب لويجي جوسّاني عندما تحدث عن القلب الذي فقد شغف ومعنى العيش، وعن الشيخوخة التي يعاني منها شبان وفتيان في ربيع العمر، والتي تميّز عالمنا اليوم. وأضاف نيافته أنه في وقت تُقرع فيه طبول الحرب، التي تضاف إلى أوضاع قائمة من الظلم والعنف وعدم المساواة فضلا عن الأزمة المناخية والتبدل الأرنتوبولوجي الذي لم يسبق له مثيل، لا بد أن نتوقف ونتساءل ما إذا كان يوجد شيء ما يستحق عناء العيش والأمل.
تابع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان مشيرا إلى أن البابا فرنسيس ومنذ بداية حبريته يحثنا على النظر في صعوبات رجال ونساء زماننا وإخفاقاتهم، كي نتوقف للتفكير والتأمل، وكي ينفتح القلب على اللقاء مع الله، وكي يكوّن كل شخص وعياً تجاه ذاته والآخرين والواقع. وأضاف بارولين أن البابا يدعونا أيضا إلى البحث عما هو جوهري في الحياة، وعما يعطي معنى لها، من خلال التخلي عما يُثقل كاهلنا، على غرار متسلق الجبال الذي يتخلى عن كل شيء ثقيل كي يتمكن من الارتقاء إلى الأعلى بشكل أسرع. وبهذه الطريقة، مضى يقول، نكتشف أن قيمة الوجود البشري لا تكمن في الأشياء، وفي النجاحات، بل في علاقة المحبة التي تدعمنا، وترسخ خطانا في الثقة والرجاء. إنها الصداقة مع الله التي تنعكس في العلاقات البشرية، وتولّد الفرح.
هذا ثم كتب الكاردينال بارولين أن البابا فرنسيس يذكرنا بأن ما هو جوهري وضروري بالنسبة لنا هو الإيمان بيسوع المسيح، كما قال في خطابه إلى المشاركين في الجمعية العامة لدائرة عقيدة الإيمان في مطلع هذا العام. وأضاف نيافته أن الرب وحده هو من ينقذ إنسانيتنا الهشة، ويجعلنا، وسط العصوبات، نختبر فرحاً يبدو مستحيلاً. وبدون هذه المرساة، تتلاعب الأمواج بمركب حياتنا، ويواجه خطر الغرق. وذكّر المسؤول الفاتيكاني بأن العودة إلى ما هو جوهري، أي إلى يسوع، لا يعني الهروب من الواقع، بل على العكس، إنه الشرط الأساسي لننغمس فعلاً في التاريخ، ولنواجه التحديات، ولنجد شجاعة المجازفة ومحبة الآخرين، وهكذا نعيش في العالم بدون أي خوف.
من هذا المنطلق، تابع الكاردينال بارولين، يود أن يعبر البابا عن تقديره للقاء الصداقة بين الشعوب، لأن صب الاهتمام على ما هو جوهري يساعدنا على الإمساك بزمام حياتنا وجعل منها أداة للمحبة والرحمة والرأفة، فنصير علامة بركة للقريب. وإزاء تجربة الإحباط وتعقيدات الأزمة الراهنة، وتحدي السلام، الذي يبدو مستحيلاً، يحث البابا الجميع على أن يصبحوا روادا مسؤولين للتغيير، وأن يتعاونوا بشكل ناشط في تأدية رسالة الكنيسة، لنخلق معاً فسحات يكون فيها حضور المسيح ملموساً ومرئيا. وهذا الالتزام الجماعي يمكن أن يولد عالماً جديداً، ينتصر فيه الحب الذي أظهره المسيح لنا، ويصير كوكب الأرض كله هيكلاً للأخوّة.
في ختام الرسالة إلى المشاركين في لقاء ريميني تمنى الحبر الأعظم أن يحفّز البرنامج الغني لدى الجميع الرغبة في البحث عما هو جوهري، وأن يساهم في خلق شغف في القلوب تجاه إعلان الإنجيل، الذي هو مصدر التحرر من العبودية، وقوة تبدل البشرية.
هذا ثم منح البابا منظمي اللقاء والمتطوعين والمشاركين فيه فيض بركاته الرسولية، طالباً منهم أن يصلوا من أجله.
Comments are closed.